حين أنشد للحياة في واد مقفر،
وأصرخ بين الجبال الصامتة
أنا فَرِحٌ، حتى وإن تآمر الصدى معها فلم يرد،
وأُصِرُّ على أن أزرع البسمة فوق شفتين ذابلتين من القهر، فسأكون على صواب،
وإن ثرب عليَّ مدمنو الحزن، الثملون من سكرته بلا إفاقة.
أنا مثلكم أحزن، ولدي من أسباب
الحزن ما يكفي أن يفطر الأكباد، ويحرق الشباب، ويوهن العظام
ولكني ـ مع ذلك كله ـ سأهرب من الحزن بين الفينة والفينة، لأحيل الرمل ذهبا، والنار فنارا، وأصهر الوجوه القبيحة في مقامع من حديد؛ حتى تغيب عن المشهد تماما، وأنا أرسم خرائط الأمل في فضاءات المستقبل الجميل.
نعم من حقي أن أحزن، بل سأترك
للحزن فرصة كافية ليتنفس كما يشاء، ولتتشكل أبخرته السوداء فوق رأسي كما تريد، فقط لأخرجه من صدري، وحتى لا يعشش في رأسي، فلا يمكن أن يعيش هو والأمل المعقود في الغد الجميل في صدر واحد.
يقول أبو علم النفس الحديث د. وليم جيمس: «ليس باستطاعتنا تغيير مشاعرنا بسهولة، وبمجرد التصميم على فعل ذلك، لكن باستطاعتنا تغيير
مشاعرنا بسهولة، وبمجرد التصميم على فعل ذلك، لكن باستطاعتنا تغيير أفعالنا، وحين نغيِّر أفعالنا ستتغير مشاعرنا تلقائيًّا. إنّ الممر التلقائي إلى الفرح -إذا ما كنت فقدته- هو الجلوس بفرح، والتصرف والتحدث وكأنّ الفرح هناك».
إذن الفرح ـ قبل كل شيء ـ إرادة قوية، تحيل مجرد الشعور الجميل ـ فوراـ إلى فعل، وإذا لم يحدث ذلك بقوة الاقتناع،
سوف يبقى المحزون رهين (الحزن) ربما حتى يدني منه الموت {{قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [سورة يوسف].
(الحزن) المزمن كما أذهب نور عيني نبي الله يعقوب، فقد قتل كثيرين، ولذلك جاء قول الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
{ولا تحزن عليهم}، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفا} [سورة الكهف 18/6]


أي لا تقتل نفسك حزنا عليهم، والرسول نفسه قال لصاحبه أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ:

{لا تحزن إن الله معنا}،


بل إن من المتقرِّرِ أنَّ كثرةَ الحزن سببٌ لضعف البدن كما ذكر ذلك جماعةٌ من أهل العمل والحِكمة، حتى نصح علماء النفس بالتفاؤل
لأهميته الكبرى في علاج كثير من الأمراض النفسية. والدراسات تؤكد أن المتفائلين أكثر صحة من المتشائمين، وأنه في حالة التفاؤل فإن النظام المناعي لدى الإنسان يعمل بحالة أفضل.
ومن العجيب بالفعل أن الذي يمارس الحزن المزمن يأكل أكثر من حاجته، حتى يسمن، وكان المتوقع أن يبري الحزن جسده كما يردد شعراء العربية السابقون،

ولكن المختص في الطب البديل ديباك شوبرا يقول: "إننا إذا لم نكن سعداء في حياتنا، لن يكون من السهل علينا أن نتحكم في أوزاننا؛ لأنّنا سنرغب دائمًا في ملء الفجوة، العاطفية أو الذهنية أو النفسية، في حياتنا بالطعام، فنفرط في الأكل، ونأكل لمواساة أنفسنا».
هذا لا يتعارض مع ما يحدث للذين يأخذون أنفسهم بـنظام (الريجيم) الشديد، فأوزانهم تنقص؛ لكونهم يقللون من الأكل قسرا، ويصابون بنوع من الاكتئاب؛ لأنهم يمارسون حرمانا شديدا مما يحبونه حبا جما.

إضاءة:
قال سومرت موم في مذكراته:
«من أكبر أخطائي أني كنت أمر على لحظات الفرح مرورا عابرا، وأعيش الحزن بكل مشاعري».

مما راق لـى