(د ب أ)
يقال إن برشلونة هي أشهر مدينة سياحية في إسبانيا، غير أن زوار مدينة إسبانية أخرى قد يتساءلون عن سبب حصول برشلونة على كل هذا المديح المبالغ فيه.
ويشعر الناس بالدهشة وهم يتجولون عبر الشوارع الضيقة القديمة المتعرجة
في فالنسيا( بلنسية) ، ليكتشفوا لؤلؤة مجهولة في حوض البحر المتوسط.
وتقول المرشدة السياحية بيتينا جوينثر “ إن فالنسيا تتمتع بوسط مدينة
على درجة كبيرة من الجمال يضارع نظيره في برشلونة، كما أنها تتمتع بوجود
مبان مشيدة على طراز “ آرت ديكور “ الذي يجمع بين الأشكال الفنية
المتنوعة والحديثة التي ظهرت في أوائل القرن العشرين، إلى جانب وجود
ميناء جوي، وشواطىء أكثر اتساعا إلى حد كبير من تلك الموجودة في برشلونة
”.
وتضيف إن فالنسيا أكثر أصالة، حيث إنها لم تتعرض لاجتياح من قبل السياح،
ومع ذلك فقد تصبح أكثر ازدحاما بالزوار العام المقبل.
وأعلنت الكنيسة الكاثوليكية 2015 عاما مقدسا في فالنسيا، ذلك لأن
الكاتدرائية التي شيدت بالمدينة في القرن الثالث عشر على الطراز القوطي
المعماري تمتلك ما يعتقد أنه إحدى البقايا المقدسة، وهي الكأس التي شرب
منها المسيح أثناء العشاء الأخير.
ومن المتوقع أن يتدفق آلاف الزوار على المدينة.
وتنبري المرشدة السياحية بتينا لكي تثبت أنه ليس ثمة سبب يدعو ثالث أكبر
مدينة في إسبانيا لأن تخجل من المقارنات بالنمط المعماري لبرشلونة.
وتقود بتينا الفوج السياحي التابع لها لمشاهدة مجموعة من المباني
القليلة المشيدة على النمط القوطي المعماري العلماني التي لا تزال
موجودة في أوروبا، ووسط الضجيج واندفاع المارة الشائع في شوارع البلدة
القديمة، يقف مبنى لونخا الذي يعد مركزا تجاريا تاريخيا ضخما ليزهو بين
مجموعة أخرى من التحف المعمارية.
وتشرح بتينا قائلة “ إن تجارة الحرير كانت مزدهرة في مبنى لونخا التجاري
منذ عام 1498 “، وفي عام 1996أدرجت منظمة اليونسكو مبنى لونخا في قائمة
مواقع التراث الثقافي العالمي.
وتصطحب المرشدة السياحية مجموعتها من الزوار عبر الشارع، وتشير إلى
تفاصيل نسق “ آرت ديكو “ المعماري داخل مبنى سوق “ ميركادو المركزي “
الذي تم افتتاحه عام 1928.
ولا يستطيع سماع كلمات بتينا وهي تشرح تاريخ المكان سوى عدد قليل من
مجموعة الزوار وذلك بسبب الجلبة التي تكاد تصم الآذان.
وفي أجنحة بيع الأسماك تصيح البائعات مناديات لجذب الزبائن وحثهم على
شراء الأسماك الطازجة التي تم اصطيادها توا، إلى جانب الجمبري والأخطبوط
وأنواع من المحار، وفي قسم آخر من السوق تصطف متاجرالقصابين عارضة أنواع
من اللحوم الشهية التي تتدلى من السقف.
بينما تفوح روائح الخضروات والموالح لتملأ أرجاء السوق .
وفي الخارج تعبق روائح أطباق الصيادية والأرز المطهو بالطريقة الإسبانية
الأزقة والشوارع التي تموج بجو حالم وعاطفي.
ويوجد العديد من الأكشاك ومنصات البيع بالشوارع التي تعرض المشروبات
المثلجة، ومشروبا من فالنسيا يسمى “ هورشاتا” أو اللبن باللوز، وذلك عند
بوابة “ توريس دي سيرانوس “ المحاطة ببرجين ضخمين، وكانت البوابة مدخلا
لمدينة فالنسيا وتشكل جزءا من سور المدينة في القرن الثاني عشر.
والمرحلة التالية في الزيارة عبارة عن جولة بالدارجة إلى ساحل البحر عبر
” الرئة الخضراء “ لفالنسيا، وهي عبارة عن قاع ما كان في الماضي نهر ريو
توريا، والذي قام المسؤولون بالمدينة بتغيير مجراه إلى منطقة أخرى بسبب
ما كان يحدثه من خسائر نتيجة الفيضانات العالية المستمرة التي كانت تغرق
الأراضي وبعض السكان، وتم تجفيف قاع النهر عام 1957.
ومنذ نحو 15 عاما فقط بدأت عملية تحويل قاع النهر إلى الشكل الذي أصبح
عليه اليوم، وهو فردوس من الأماكن الترفيهية في وسط المدينة، وتمتد
المساحات الخضراء والحدائق لمسافة سبعة كيلومترات تقريبا لتصل إلى
الميناء.
ويجد الزوار في انتظارهم في جزء من المنطقة الترفيهية بقاع النهر “
بيوبارك فالنسيا”، وهي حديقة للحيوان تمتد على مساحة مئة ألف متر مربع
وتم افتتاحها عام 2008، وتتميز هذه الحديقة بعدم وجود أقفاص أو حظائر
للحيوانات، والتي أصبحت تعيش داخل أنظمة بيئية تم إقامتها على غرار
البيئات الأصلية لها.
وتتقدم مجموعة الزوار وهي راكبة الدراجات على طول قاع نهر توريا وعبر
أشجار النخيل الكثيفة، متوجهة نحو البحر، ولا يوجد سوى الجسور القديمة
كشاهد على أنه كان ثمة نهر يتدفق في هذا المكان فيما مضى من الزمان،
وهذا الطريق الذي تقطعه المجموعة يمر داخل متنزه، ولا يسمح فيه بمرور
السيارات، كما لا توجد فيه أية إشارات للمرور ولا يسمع فيه ضجيج.
وقبيل الوصول الى الميناء، يصل الزائر إلى مركز ترفيه فالنسيا و يسمى “
سويداد دي لاس آرتس إي دي لاس سينيسياس “ الذي يعني اسمه مدينة الفنون
والعلوم، وهذا المركز من تصميم المهندس المعماري سانتياجو كالاترافا وهو
من أبناء فالنسيا، ويتميز التصميم بالشكل الهندسي المستقبلي الذي يجمع
بين الابتكار والخيال.
ويمكن للزائر أن يمضي يوما بأكمله وهو يستكشف هذا المركز الترفيهي وهو
مجمع يشتمل على سبعة مبان تحيط بها بركة اصطناعية، ومن معالم الترفيه
داخل المجمع على سبيل المثال قاعة الحفلات الموسيقية والأوبرا المسماة “
بالاو دي لو آرتس رينا صوفيا “، والتي تبدو كأنها رأس عملاقة لكائن
فضائي.
ويقع خلفها مبنى “ لهيميسفريك “ وهو مستدير الشكل على هيئة حدقة العين،
ويضم قاعة للعرض السينمائي، وأخرى لمشاهدة النجوم والكواكب، ومتحف
للعلوم من بين معروضاته تصميم لهيكل عظمي لديناصور، إلى جانب حديقة
مائية.
وتعد هذه الحديقة المائية الأكبر من نوعها في أوروبا، حيث يوجد بها 42
مليون لتر من المياه داخل أحواض تتراوح درجات الحرارة فيها ما بين
المناطق القطبية والمدارية، ويمكن في هذا المكان استكشاف أنواع الحياة
البحرية التي تعيش في محيطات العالم.
وفي المبنى العملاق المشيد من الجليد تكون درجة الحرارة باردة لتصل إلى
حد أن تكون قارسة، بينما يشاهد الزوار الحيتان البيضاء وحيوانات الفظ
وهي تسبح في المياه.
وقد يشعر الزائر في وقت لاحق بالعرق يتدفق منه بسبب الدفء المصحوب
بالرطوبة أثناء سيره لمسافة 70 مترا داخل نفق تحت الماء في حوض الحياه
البحرية بالمناطق المدارية.
ويوجد أكثر مطاعم المدينة جمالا داخل الحديقة المائية، فيشعر رواد مطعم
” سابمارينو “ ذي الشكل الدائري والمقام تحت الماء بأنهم يتناولون
طعامهم في قاع البحر.
وتنصح المرشدة السياحية بتينا مجموعة الزوار المصاحبة لها في نهاية
الجولة قائلة “ إنه من الأفضل تناول طبق صيادية فالنسيا بأحد المطاعم
التي تقدم هذا الطبق سواء على شاطىء بلايا دي لاس أريناس أو بلايا
مالفاروسا “.
وتبعد شواطىء المدينة الطويلة والواسعة عن الحديقة المائية بمسافة
تقطعها الدراجات في 15 دقيقة فقط.