زوربا اليوناني
أظنُ أن بعضكم إن لم يكن معظمكم قرأ الرواية أو على الأقل سمع عنها وعن شخصية زوربا اليوناني.
ذلك الرجل المجنون الذي يرقص ألمًا، وينطق حِكمًا، وهو الرجل البسيط، الذي آمن على إمكانية الجمع بين متعة الروح، والجسد.
زوربا الإنسان البدائي المرتبط بالطبيعة الأم، زوربا، ودهشة طفلٍ في عينيه المستديرتان -كما يوصفهم صدقه "كزنتزاكي"-، اللتان ترى الأشياء من حولهما وكأنه يراها لأول مرةٍ.
هوو ليس بفيلسوفٍ، وإنما حكيمًا يشرح أعقد الأمور والأفكار الفلسفية بكلمات بسيطة، يحدثك عن الجنون والعقل والحرية والعبودية وكل ما يفكر به الإنسان ويسعى إليه.
الرواية رائعة، بكل المقاييس، وهي التي حاربتها كثير من الدول العربية، مُنع نشرها في كثير من الدول الخليجية، ومصر، ولكن تبقى الرواية حيّة في قلوب القرَّاء، ربما أُنقص من ثراءها اللغوي عند ترجمتها وأحسبها كذلك، إلا أننا قرأناها وتذوقناها.
هي رواية للكاتب نيكوس كازانتزاكيس. أنتجت هوليوود فيلما شهيرا أيضا مقتسبا من الرواية يحمل نفس العنوان وقام ببطولته الممثل "أنتوني كوين وحقق الفيلم شهرة كبيرة.
تدور الرواية, عن قصة رجل مثقف, اسمه باسيل, غارق في الكتب يلتقي مصادفة برجل أميّ مدرسته الوحيدة هي الحياة وتجاربه فيها. سرعان ما تنشأ صداقة بين الرجلين ويتعلم فيها المثقف باسيل الذي ورث مالا من أبيه الكثير من زوربا عن الحياة وعن حبها وفن عيشها.
شخصية زوربا
زوربا هي شخصية حقيقية قابلها نيكوس في إحدى اسفاره, وقد اعجب به اعجابا شديدا, فكتب رواية باسمه. الملفت في رواية زوربا, هو قدرة نيكوس على وصف شخصية زوربا بشكل مطوّل ومفصّل وعميق, حتى انك تشعر لوهلة أن زوربا هو الشخص الأعظم في هذا الكون
المميز في زوربا هو انه يحب الحياة بكل أشكالها, لا يذكر الحزن, بل يذكر الفرح دائما في لحظات حزنه الشديد, أو سعادته الشديدة, يرقص رقصته المشهور, (رقصة زوربا).. في تلك الرقصة, يقفز إلى الأعلى لأمتار ويستغل كل ما هو حوله من بشر أو من أدوات وجمادات
يروي شخصية زوربا, شخص لقبه " الرئيس " وهو شخص يوناني يرغب في استثمار أمواله في مشروع ما, فيقنعه زوربا بأنه يستطيع استثمار أمواله في منجم للفحم, ولكن محاولات زوربا لصناعة مصعد ينقل الفحم من مكان لمكان,تبوء بالفشل
ولكن زوربا المفعم بالحياة لا ييأس يحتاج زوربا لأدوات من المدينة, فيأخذ كل أموال "الرئيس" ويذهب إلى المدينة, فيشعر بالتعب, يدخل إحدى الحانات, فتقترب منه "غانية" فيرفضها, فتشعره بانتقاص الرجولة, ولكن زوربا المفهم بالرجولة لا يقبل هذا التصرف, ويصرف كل امواله عليها, ويكتب رسالة إلى "الرئيس" أنه "دافع عن كل الرجولة في العالم"
من أجمل المشاهد في الرواية, هو مشهد قتل الأرملة، هذه الأرملة أحبها شاب صغير من القرية, ولكنها لم تعره اهتماما, فذهب وانتحر غرقا في البحر, اتهمها أهل القرية بأنها السبب في مقتله, فيحاوطونها لقتلها, ولا أحد يتجرأ عن الدفاع عنها إلا زوربا اليوناني, الذي يدافع عنها بكل قوتها إلا أن القس يباغته فجأة, فيمسكها من شعرها, ويلف شعرها على يده ويدق عنقها.
زوربا شخص أمّي لا يعترف بالكتب, وبالمقابل "الرئيس" صديقه شخص مليء بالكتب, ولطالما سخر زوربا من تلك الكتب، يقول: (كتبك تلك أبصق عليها, فليس كل ما هو موجود, موجود في كتبك)
ينفصلان في نهاية الرواية, ويصل خبر إلى الرئيس بأن زوربا قد مات.
مقتطفات من رواية زروبا
كانت عيناي عالقتين في مقدمة باخرة سوداء كبيرة ،
كانت لاتزال مغمورة بظلام الليل القاتم ، و كانت السماء تمطر ، و باستطاعتي مشاهدة خيوطالماء المنهمر تربط السماء بالوحل .
نظرت إلى الباخرة السوداء ، و تجسدت كآبةالذكريات الماضية ،
و دفعت الأمطار بصورة وجه صديقي الكبير ، هل كانت السنة الماضية؟ في عالم آخر ؟ البارحة ؟ متى كانت حين نزلت إلى هذا المرفأ بالذات لأقول لهوداعاً ؟ لقد كانت السماء ممطرة ذلك الصباح ، أيضا ، و في تلك المرة كان قلبي مثقلاتماما شأنه اليوم .
كم هي مؤلمة ساعة الفراق البطيئة ، خاصة فراق الأصدقاءالعظام ! ،
فالأفضل الانقطاع دفعة واحدة ، و العودة إلى الوحدة – الجو الطبيعيللرجل ،
و لكن ، في ذلك الصباح الممطر لم يكن باستطاعتي ترك صديقي
( و قد علمت لماذا ، فيما بعد ، و لكن للأسف كان ذلك بعد فوات الأوان ) ،
لقد صعدت معه إلى ظهرالمركب و دخلتُ إلى مقصورته الملأى بالحقائب المبعثرة ،
كأنني كنت راغبا في أن أدونملامحه في مخيلتي ، عينيه المضيئتين بالأزرق ، وجهه الفني ، و ملامحه الذكية ، وفوق كل ذلك يديه الارتسقراطيتين و أصابعهما الطويلة النحيلة .
و حين فاجأني وأنا أحدق به بشوق ، و نظر إلي و قد ارتسمت على وجهه تلك الابتسامة الساخرة التييلجأ إليها حين يريد أن يخفي انفعاله ، و فهم ! ، سألني مبتسما ساخراً :
-
إلى متى ؟
- ماذا تعني بإلى متى ؟
- إلى متى ستبقى على عادة مضغ الورق و التلوث بالحبر ؟
لماذا لا تأتِ معي بعيدا في القوقاز هناك الألوف من أبناء جلدتنا في خطرعظيم ، تعال لننقذهم .
ثم راح يضحك كأنه يهزأ من نبله ، قال :
ربما ، لننقدر على مساعدتهم ، و لكن ألم تكن تعظ "
إن الطريقة الوحيدة في تخليص نفسك هي في مساعدة الآخرين " ؟
حسنا ، أيها المعلم ، إلى الأمام ، و أنت ممتاز إلقاء المواعظ ،لماذا لا تأتِ معي ؟!
و لم أجبه ، و فكرت بأراضي الشرق الساحرة ، و أم الآلهة العجوز ،
و صراخ بروميثيوس المسمر إلى الصخور ،
و هناك على هذه الصخور نفسها كانعِرقنا مسمراً ، لقد كان ينادي و يصرخ !!
لقد كان ينادي طالبا المعونة من أبنائه ،
و كنت أسمع النداء كأن الألم هو حلم و الحياة هي مأساة محيقة ، يثبت فيها من يأخذحصته من العمل في مسرح الحياة .
و بدون أن ينتظر جوابا مني ، نهض صديقي ، و صفرتالباخرة معلنة عن الإقلاع للمرة الثالثة و مدّ يده إليّ ، محاولا إخفاء انفعالهبابتسامته الساخرة ، ثم قال :
إلى الملتقى ، يا عثّ الكتب !
و ارتجف صوته ،و قد شعر بالخجل لأنه لم يتمكن من السيطرة على عواطفه ، فقد كانت الكلمات الرقيقة ،و الحركات المضطربة ، تبدو له ضعفا لا يجوز للرجل أن يأخذ بها ،
نحن ، الذين كنا مولعين ببعضنا أشد الولع ، لم نتبادل أية كلمة من كلمات العطف و المحبة ، لقد مثلناو خدشنا بعضنا بعضا كأننا قطط متوحشة .
- الكون كبير جدا, أما قلب الإنسان فرغم أنه صغير, إلا أن قلب الإنسان يحوي الله فإياك أن تجرح قلب إنسان.
- هل تستطيع أن تخبرني لماذا يموت الإنسان يا باسيل؟ مالذي تقوله كتبك عن هذا؟
- إن الكتب لا تجيب مثل هذه الأسئلة وإنما تتناولها وتحاول تفسيرها...
- أني أبصق على كتبك
- عندما مات طفلي وكان صغيرا كدت أموت من الألم وبينما كان الآخرون يبكون بدأت بالرقص... نعم الرقص. وقال الآخرون عني : لقد جُنَّ زوربا. لو لم أكن رقصت لكنت متّ.
ومقطع من الفلم
وايضا
موسيقة زوربا المشهورة
كافي بعد تعبت
يارب يعجبكم