تعيش المرأة صراعاً أبدياً مع شهوة الشراء، فنراها في حيرة أمام ما سترتديه مع كل مناسبة، حتى إننا يمكن أن نقول إن غالبية النساء كلما همَمن بالخروج من المنزل أو كانت لدى إحداهن مناسبة فإنها تقف حائرة أمام خزانة ثيابها الممتلئة ثياباً ثمينة وجميلة لكنها لا تجد ما تلبسه، وفي حال عثرت على ما ترتديه فإنها تبقى غير مقتنعة بمظهرها وثيابها وأناقتها.
وفي كثير من الأحيان تفرط بعض النساء في عدم الرضا عن الذات، وموضوع الاكتفاء الذاتي، وهو ما يصفه محللون نفسيون بـ"الهيستيريا"، ويعزون سببه إلى المنشأ والمحيط،
بينما يقسم آخرون هذه الهستيريا الشرائية إلى قسمين؛ الشراء الاهتياجي، والشراء القهري أو المرضي، والنوع الثاني هو الأخطر سببه الكآبة المخبأة والذي يحتاج إلى طبيب وأدوية ومعالج نفسي.
للاستطلاع أكثر على الموضوع قدمنا النقاط التالية إلى الإخصائيين النفسيين لنحصل على تحليل وطريقة علاج هذا النوع من النساء، وطرحنا عليهم سؤال: "كيف يمكن تحليل المرأة التي:
ـ تؤمن بالتوفير لكنها تشتري أثمن الألبسة؟
ـ تشتري ألبسة ثمينة لكنها لا تجد ما تلبسه؟
ـ ليس لديها ما تلبسه لكنها تتأنق بشكل جميل؟
ـ تتأنق يشكل جميل وغير راضية عن أناقتها؟
ـ غير راضية عن أناقتها ولكنها تنتظر المديح من الرجل؟
ـ تنتظر المديح من الرجل لكنها لا تصدقه إذا مدحها؟
بيروت ـ مها سابق
ابحث عن الكآبة
يرى الدّكتور يوسف برجاوي المدرّب في التطوير الذاتي أن الإدمان أو الشراء القهري هو الأخطر وسببه الكآبة، فالشراء القهري يولد عقدة الذنب والوقوع في الدين، وأن هم المرأة صاحبة الشراء شديد الاهتياج أن تبدو جميلة فقط".
هوية غير ثابتة
أما الدكتور يوسف برجاوي المعالج النفس فإنه يقسم موضوع الشراء المفرط لدى النساء إلى نوعين؛ الأول يسمى الشراء شديد الاهتياج، والذي يكون سببه الأول هو عدم قدرة المرأة على تحديد هويتها،
فتحاول التغيير في كل مرة في طريقة لباسها، وتبقى غير راضية عن نفسها كون هويتها غير ثابتة، إلى أن تصل بنفسها إلى تحديد هويتها الشخصية، وهي لا تشعر بالذنب كون همها الوحيد فقط أن تبدو جميلة، ولا يمكن تسمية هذا النوع بالمرضي وحتى لا يحتاج إلى طبيب أو معالج نفسي.
أما النوع الآخر فهو الشراء القهري، وهو نوع من الإدمان لدى المرأة وهو مرضي، وهو النوع الأخطر، ويكون سببه الكآبة غير الظاهرة، وشعور المرأة الدائم بالذنب، فمهما فعلت فإنها لا تكون راضية عن نفسها، وفي هذه الحالة على المرأة اللجوء إلى العلاج النفسي.
كما يوضح الدكتور برجاوي أن المرأة تضطر في كثير من الحالات إلى الاستدانة من أقاربها أو أصدقائها أو حتى من البنوك لتغطية مصاريف شرائها التي لا تقتصر فقط على الثياب بل الأحذية والحقائب والإكسسوارات وغيرها، وكلها أمور ليست بحاجة إليها،
وخطورة هذا النوع الكبيرة تكمن في شعور المرأة بالذنب بعد كل عميلة شراء، حيث تشعر بسعادة ورضا مؤقت ساعة الشراء، كونها تشتري أموراً ليست بحاجتها، وعندما تعود إلى منزلها تستفيق لفرطها في الشراء، ما يولد لديها حالة الشعور بالذنب، قتقع في حالة اكتئاب من جديد، فتعود إلى الشراء من جديد كي تخرج من حالة الاكتئاب، ما يوقعها في حلقة مفرغة.
ويستطرد الدكتور برجاوي حديثه ليتناول طريقة علاج النساء من النوع الثاني أي اللاتي يعانين حالة مرضية من الشراء القهري بسبب الشعور بالكآبة أجابنا: "العلاج الأول عبر العقاقير من الطبيب النفسي، والعلاج النفسي السلوكي يحتاج ما بين شهرين وثلاثة أشهر، أما العلاج النفسي التحليلي فيحتاج سنة أو أكثر"،
مضيفاً: "في الحالة الثانية "أي الشراء القهري أو المرضي" تكون طريقة العلاج أولاً عبر الطبيب النفسي، كي يصف لها أدوية تساعدها على التخفيف من شعورها بالكآبة ثم اللجوء الى المعالج النفسي التحليلي، ومدة علاجه تكون طويلة سنة أو أكثر كونه سيتعمق بأيام طفولتها ونشأتها أو اللجوء إلى نوع العلاج النفسي المعرفي السلوكي، أي التدريب في التطوير الذاتي،
والذي يدخل في صلب الموضوع دون التعمق بالطفولة، فالأفضل في حالة المرأة المدمنة أن تلجأ إلى المعالج النفسي السلوكي أي المدرب، كونها تكون أيضاً في حالة مادية يُرثى لها بسبب تراكم الديون، والطريقة العلاجية تبدأ بأن تعترف بمشكلتها،
ومن ثم تدون ماذا شعرت قبل الذهاب إلى الشراء، ومن ثم ماذا شعرت عند الشراء ومن ثم شعورها بعد الشراء، ومن ثم تعريفي إلى أحد تثق به كي نستعين به ليرافقها عند ذهابها للشراء، كي يقنعها بعملية الاختيار وإقناعها بشراء القليل".
شخصية هستيرية
من جهته، يرى الدكتور أنطوان شرتوني المحلل والمتخصص في الأمراض النفسية أن هذه الشخصية هستيرية، وأن الثقة بالنفس تجعلك جميلاً في أعين الآخرين"،
مضيفاً أن "السبب الأول لمثل هذه الشخصية هو التربية في المنزل، وهذا ينطبق على النساء كالرجال، إضافة إلى عوامل أخرى كالبيئة التي تحتضن هذه الشخصية والتي تحيط بها، فهي لها تأثير كبير في تكوينها،
فمع تكون شخصية الإنسان نجد أنواعاً عدة، منها الشخصيات الهستيرية، أو المنغلقة، المنفتحة أو المحبطة وسريعة الاكتئاب، منها الشخصية المتفائلة، ومنها الشخصية التبعية التي لا يمكنها أن تتخذ القرارات بنفسها وهي بحاجة دائمة إلى من يتخذ القرار عنها".
كما أضاف الدكتور شرتوني: "المرأة التي تعاني مشكلة دائمة في موضوع ما الذي سترتديه يمكن وصفها بالشخصية الهستيرية، والتي تعاني قلة الثقة بالنفس، فمها فعلت تبقى غير راضية عن نفسها، وعدم الاكتفاء،
فالنقطة المهمة هي إما أن يتقبل الشخص نفسه كيفما كان، وإما لا يتقبل، وألا يفعل أي شيء تفكيراً بنظرة الآخر له، عليه أن يكون أولاً راضياً عن نفسه وشكله كلما نظر إلى المرآة".
وعند سؤالنا الدكتور شرتوني عن موضوع الأهل وعلاقته بتكوين هذه الشخصية قال: "بعض الأهل لا يعرفون كيف يعاملون أولادهم في صغرهم فيفرطون أحياناً في تحطيمهم أو عدم رضاهم عنهم مهما فعلوا، ما يولد لدى المرأة مثلاً عندما تكبر عدم الثقة بالنفس، وما يؤدي أيضاً إلى الشك لديها لذلك لا تصدق أي رجل إذا عبر لها عن إعجابه بها وبأناقتها،
بينما نرى تلك التي تتمتع بثقة عالية بالنفس، مهما لبست أقل القطع ثمناً أو أناقة تكون واثقة أنها جميلة وستلفت الجميع، وهذا فعلاً يؤثر في انعكاسه على مظهرها وتأثيرها في إعجاب الآخرين بها، وعدم الرضا هذا عن النفس هو ما نراه مثلاً اليوم في عمليات التجميل، حيث يكون شرطنا للمرأة التي تنوي إجراء عملية تجميل، أن يكون سببها الأول للجوء إلى التجميل هو من أجل أن تقتنع هي بنفسها وليس من أجل إقناع الآخرين بجمالها".
وأضاف الدكتور شرتوني: "إذا نظرنا إلى أهم مشاهير هوليود من النساء، لوجدن كثيرات منهن مثلاً يتمتعن بأنف غير جميل أو شفاه غير ممتلئة، وقد يكون هذا سبب شهرتهن وجعلهن جميلات في عيون الجمهور والعالم، بسبب اقتناعهن بنفسهن، إذاً الثقة بالنفس هي السبب الأول الذي يجعل الشخص يقبل نفسه ويكون جميلاً في أعين الآخرين".
روتانا