إنّ من الفروض العينيّة على كل مسلم أن يتعلّم ما يصحّح به عقيدته وعبادته، وهذا العلم هو الذي قصده الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: « طلب العلم فريضة على كل مسلم »، وإنّ من المؤسف أن نرى في زماننا هذا الكثير من المسلمين يجهلون الكثير من أصول دينهم وتعاليمه، وبخاصة أصول العقيدة والعبادة، فترى الكثير منهم لا يعرفون التوحيد حق المعرفة، فلا يعرفون أنواعه، ولا يدرون ما معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) التي تعتبر الغاية من خلق الله للإنس والجن، والغاية من بَعْثِهِ للأنبياء والرسل، فهي الكلمة التي أجمعت عليها الرسالات السماوية، وهي الكلمة التي إذا نطق بها الإنسان، وعرفها بحق، وآمن بها، وعمل بمقتضاها، حالت بينه وبين الكفر والشرك، وكانت مفتاحه للجنة.
لا بد أوّلًا من بيان أقسام التّوحيد قبل الشروع في بيان معنى (لا إله إلا الله)، فالتوحيد يُقسم إلى ثلاثة أقسام على النحو التالي:
1. توحيد الرّبوبية، ومعناه إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق سواه، ولا مالك لهذا الكون سواه، ولا مدبر له سواه، فهو رب هذا الكون، ولا رب غيره. وهذا التوحيد هو أصل التوحيد، وهو موجود عند أغلب البشر؛ لأن الله تعالى قد فطر الإنسان على معرفته وإفراده بالربوبية، وقلما تجد من الناس من يَنْقُض هذا التوحيد أو ينكره، وحتى كفار قريش قد كان هذا التوحيد موجودًا لديهم، فقد قال الله تعالى: { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } [لقمان / 25].
2. توحيد الألوهيّة، وهو توحيد العبادة، ويستدل على هذا التوحيد بالتوحيد السابق، فالرب الخالق والمالك والمدبر هو الذي يستحق العبادة من دون غيره، ويتمثل توحيد الألوهية بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وسنفصل الكلام في هذا التوحيد بعد قليل.
3. توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى بما سمى ووصف به نفسه من الأسماء والصّفات التي بينها في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذه الأسماء والصفات يجب إثباتها لله عز وجل من دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل. وهذا التوحيد يرتبط ارتباطًا وثيقًا مع توحيد الربوبية والألوهية.
إنّ النوع الثاني من التوحيد، الذي يعرف بتوحيد الألوهيّة لا يتحقّق عند الإنسان إلا بالنطق بكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، وفهم معناها مع الإيمان والتصديق بهذا المعنى، بالإضافة للعمل بمقتضاها، وتوحيد الألوهية هو الغاية من خلق الله للإنسان والجان، وهو الغاية من بَعْثِه للأنبياء والرسل، ومن المؤسف أنه لو سألتَ الكثير من عوام الناس في زماننا عن معناها لجهله الكثير منهم، أو لفسروها بمعنى توحيد الربوبيّة الذي سبق ذكره، وهذا خطأ جسيم في فهم معناها، فمن هذا المنطلق جاءت أهميّة البيان والتوضيح لمعناها الصحيح.
إنّ الطريق لمعرفة المعنى الصحيح لكلمة التوحيد هو الإعراب، ومعرفة المعاني اللغوية للمفردات التي تتكون منها هذه الكلمة، وبناءً على هذا نقول: إن (لا) هي لا النافية للجنس، وكلمة (إله) اسمها، وخبرها محذوف تقديره: (حق)، و(إلا الله) استثناء من الخبر. و(الإله): تعني المعبود الذي يُقصد ويُلْجَأ إليه بالعبادة التي تعني التذلل حبًا وتعظيمًا، والطاعة والخضوع، فإليه تصرف شتى أنواع العبادات من صلاة ودعاء وتوسل واستغاثة وتوكل وغير ذلك، بالتالي فإن معنى لا إله إلا الله هو: (لا معبود بحقٍ إلا الله).
والعلماء قدّروا الخبر المحذوف في كلمة التّوحيد فقالوا أنّه (حق)؛ لأنّ المعنى لا يستقيم من دون هذا التقدير، فمن دون هذا التقدير يصبح المعنى: (لا معبود إلا الله)، وهذا المعنى خطأ؛ لأنه ينفي مطلقًا وجود أي إله يعبده البشر في الكون إلا الله، ولكن المعبودات التي عبدها البشر من دون الله كثيرة، فهناك الأصنام والشمس والقمر والكواكب والقبور! وهذه الآلهة باطلة، والإله الحق الذي يستحق الإفراد بالعبادة هو الله وحده، وحسب هذا المعنى الخاطئ: (لا معبود إلا الله) يصبح البشر المتعبدون كلهم موحدون لله؛ لأنه لا وجود مطلقًا لمعبودٍ غيره! وهذا خطأ كما بينا سابقاً، لوجود الكثير من المعبودات الباطلة التي تعبد من دون الله، بالإضافة إلى أن هذا المعنى لا يتضمن إثبات الأحقية لله بالإفراد في العبادة، لذلك اقتضى الأمر أن يقدر الخبر المحذوف بكلمة (حق)، وكل هذا لإثبات الأحقية بالعبادة لله وحده، وأيضًا حتى يصبح المعنى من الناحية الواقعية سليماً.
هذا ما فتح الله به علينا من بيان وتوضيح لمعنى كلمة التوحيد: (لا إله إلا الله)، بأنه: (لا معبود بحقٍ إلا الله)، ونسأل الله أن ينفع المسلمين ويوفقهم إلى فهم وتدبر معناها، مع التصديق والاقرار واليقين بهذا المعنى، وأن يوفقهم إلى العمل بمقتضى هذه الكلمة: وهو عبادة الله وحده، والكفر بكل ما سواه من المعبودات الباطلة، مع الإستسلام والطّاعة والخضوع والإنقياد لكل أوامر اللهتعالى