العلم نور و’’الربيع’’ العربي قطع الكهرباء !
الأرض التي انطلقت منها أول أبجدية في العالم منذ آلاف السنين، فكانت الثورة الأهم التي غيرت وجه التاريخ وشكل الحياة، هذه الأرض نفسها يعاني أطفالها اليوم من الحرمان من حقهم المقدس في التعليم .
الحرب المستمرة في سوريا للعام الرابع، تركت آثارها على كل ما يتعلق بالطفولة، بدءاً بالمنظومة النفسية والأخلاقية، التي شوهتها مشاهد العنف والانقسام، وليس انتهاءً بالتعليم، الذي يتربع عرش قائمة ما أضرت به الحرب .
انعدام الأمن، وسوء الظروف الاقتصادية والمعيشية التي أجبرت الأطفال على العمالة المبكرة، من أهم العوامل التي أدت إلى حرمان الأطفال السوريين من حقهم في التعليم، فأصبح جزءاً من حياتنا اليومية أن نرى طفلاً يبيع شيئاً ما على إشارة المرور عوضاً عن الجلوس على مقعده في المدرسة.
وفق آخر إحصائية نشرتها منظمة اليونيسيف، فإن حوالي 3 ملايين طفل نزحوا داخل الأراضي السورية، من بينهم أكثر من مليون طفل أصبحوا خارج مدارسهم، بالإضافة قابلية ما يقارب مليون طفل للتسرب من المدرسة نتيجة الظروف السائدة في البلاد.
إذاً هو العنف والدمار الذي أرخى ظلاله الثقيلة على عاتق الأطفال قبل الكبار، فالإرهاب لا يكاد يترك مدرسة إلا وترك بصمته الدموية عليها، فأفادت اليونيسيف أيضاً أنه خلال عام 2014 تعرضت المدارس في سوريا لثمانية وستين هجوماً على الأقل، راح ضحيته مئات الأطفال، على مختلف الأراضي السورية ، والأرقام الحقيقية قد تكون أكثر من ذلك.
في المحافل الدولية واجتماعات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان والطفل، يشدد الحاضرون على إقصاء المدارس بعيداً عن الصراع الدائر في سوريا، وتحمل مسؤولية حماية الأطفال من قبل جميع "الأطراف".
لكن من المسؤول الأساسي عما يحدث؟! وأي طرف من "الأطراف" أوصل أطفال سوريا إلى هنا؟!
في المناطق الآمنة ، وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة عملية التعليم ما زالت مستمرة، والمناهج موحدة والكادر التدريسي يقبض رواتبه، كما قدمت الوزارة تسهيلات عديدة أخذت بعين الاعتبار الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فسمحت للطلاب الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية التقدم لفحص يتم على أساسه قبول الطالب في الصف المناسب، وإعلامياً تم تسليط الضوء كثيراً على هذه القضية.
ومن جهة أخرى فإن العملية التعليمية في أسوأ حالاتها في جميع المناطق الساخنة، فحولت الجماعات المسلحة مراكز العلم لأقبية الظلام من محاكم شرعية ومقار لإدارة عملياتهم ، فبحسب اليونيسيف واحدة من كل خمس مدارس في سوريا غير قابلة للاستخدام على الإطلاق، بالإضافة إلى تشويه جوهر العملية التعليمية واعتماد مناهج أخرى،تختلف باختلاف الجماعة الإرهابية، من مناهج ليبية وسعودية وغيرها، وأيضاً حرمان الإناث من حقهم في التعليم في المناطق التي يسيطر عليها ما يسمى تنظيم "داعش".
بمقارنة بسيطة نجد أن "الربيع" العربي قطف الأزهار، فانغمست الأصابع الطرية بأعمال شاقة لا تليق بها، إهمال ملف الطفولة والتعليم والاستمرار على هذه الحال، سيجعل من أي عملية سلام وأي هدنة أو تسوية أو اتفاقية دون فائدة، طالما أن جيلاً كاملاً من الأطفال يكبر متشرباً ثقافة الموت والحرب، بدلاً من التزود بكل ما يفيده ويفيد وطنه.