القاهرة : روتانا
بعد عاصفتي هدى وزينة اللتين ضربتا منطقة الشام الأسبوع الماضي، ومن قبلهما كاميليا وأليكسا وليلى ودوللي وساندي وغيرها من الأسماء الأنثوية التي أطلقت على العواصف والأعاصير المدمرة،
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتساؤل عن أسباب إطلاق أسماء الإناث على العواصف دون الرجال؟
هل لأن المرأة يصعب التنبؤ بمزاجها وبعنفها، وهي صاحبة أمزجة متقلبة وذات بطش عندما تكره وتظهر غضبها، ولا تكتمه مثل حال الإعصار؟
أم لأن الاسم الأنثوي استبشار بالخير، ونوع من الفأل الحسن لكون المرأة مخلوقاً ناعماً ورقيقاً ولطيفاً، ويأمل الجميع أن تكون العاصفة مثلها؟
غير أن فريقاً من الباحثين بجامعة "إلينوي" الأميركية توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الناس يستخفون بالأعاصير التي تحمل أسماء أنثوية، ويفترضون أنها أقل خطورة من تلك التي تحمل أسماء ذكورية،
مما يجعلهم أقل حيطة وحذراً إزاء تلك الأعاصير، ويتهاونون في اتخاذ إجراءات وقائية استعداداً لهبوبها، ونصح الباحثون -بناء على ذلك- بإعادة النظر في تسمية الأعاصير.
على أي حال فإن الأعاصير والعواصف المدمرة في العالم قديماً كانت تسمى بأسماء الرجال، ولم تسم بأسماء الإناث، ويذكر أن أول عاصفة أطلق عليها اسم كانت عاصفة ضربت سواحل أستراليا فقام أحد خبراء المناخ بإطلاق اسم رجل سياسي يكرهه على تلك العاصفة، ولم يكن حينها قد طُبق النظام الحالي.
كما أن سكان الجزر الكاريبية أطلقوا أسماء على الأعاصير منذ قرون بعيدة، لكنهم عادة ما كانوا يطلقون عليها أسماء قديسين وفق التقويم المسيحي مثل إعصار «هرقل» و«سانت ماريا» و«سانت بول» و«سانت لويس» أو بأسماء السنوات التي حدثت فيها، أو المكان الذي حدثت فيه، مثل إعصار ميامي وإعصار هيوستن.
وتعود بداية التسمية النظامية إلى عالم الأرصاد الجوية الأسترالي كليمنت راج 1852 1922 الذي أطلق على الأعاصير أسماء البرلمانيين، الذين كانوا يرفضون التصويت على منح قروض لتمويل أبحاث الأرصاد الجوية،
وقيل أيضاً إنه في بعض الأحيان كانت تُطلق على الأعاصير أسماء النساء اللواتي يكرههن، وفيما بعد تمكن السياسيون من أن يبعدوا أنفسهم عن التسمية بأساليبهم المختلفة، فألصقت التسمية بالعنصر النسائي الأضعف.
وتعود قصة الأسماء الأنثوية للأعاصير إلى النصف الأول من القرن العشرين، وخلال الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت وحدات الجيش الأميركي الموجودة بمناطق مدارية خاصة جنوب وشرق آسيا في إطلاق أسماء بصورة منتظمة على العواصف فور الكشف عنها بالمناطق المدارية،
ولم يكن الجنود يبحثون بعيداً فكانوا يطلقون أسماء زوجاتهم وبناتهم عليها، ونتيجة لذلك، تعالت شكاوى منظمات الدفاع عن حقوق المرأة التي اشتكت من ذلك بحجة ربط أسماء الإناث بأوصاف عنيفة ومكروهة كـ"مدمرة" و"سيئة".
وبعد أخذ ورد، قررت السطات الاتحادية الأميركية عام 1950 إطلاق نظام يتعامل مع أسماء الأعاصير،
وتقرر استخدام أسماء مذكرة ومؤنثة بالتناوب، وتضطلع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -إحدى المنظمات الأممية المتخصصة- بمهمة تسمية الأعاصير، خاصة مناطق المحيط الأطلسي، وعادة ما تكون الأسماء مرتبة وفق الحروف الأبجدية ومعدة سلفا لسنين قادمة، وتحتوي عادة على أسماء ذكورية وأنثوية على السواء.
وتنص تعليمات المنظمة على أنه يمكن إعادة استخدام نفس قوائم الأسماء كل ست سنوات، إلا أن الأعاصير التي تؤدي لأضرار بالغة يستغنى عن أسمائها، حيث لن يتكرر مثلا أسماء كاترينا وريتا وميتش.
ومنذ العام الماضي فقط عملت الأرصاد الجوية العربية على قرار موحد يقضى بتعريب أسماء العواصف الشتوية، التي تهبّ على البلدان العربية، لجعل مسمّيات كلّ عاصفة ثلجية تهبّ على العالم العربي تحمل معاني وهوية عربية وليس أجنبية،
ويهدف إطلاق الأسماء على العواصف الشتوية إلى تفادي الخلط بينها وبين غيرها، خاصة العواصف التي تضرب مناطق وبلداناً متقاربة، أو المناطق التي تجتاحها العواصف بصورة مستمرة، ولتسهيل القيام بالتحذيرات والتنبيهات حول قدوم العاصفة وأضرارها، فالاسم يحمل ما تتضمنه من شدة وقوة حذر منها المسؤولون في هيئة الأرصاد لاتخاذ الحيطة والحذر.
لذا اتفق العديد من الراصدين الجويين على إطلاق الأسماء العربية على بعض العواصف التي تجتاح البلاد راهناً، فأطلق اسما "هدى" و"زينة" على العاصفتين اللتين ضربتا بلاد الشام الأسبوع الماضي، بينما أطلقت السلطات اللبنانية اسم "زينة" على العاصفة التي تشهدها حاليًا،
فإن الأردن اختارت اسم "هدى". وقيل إن سبب تسمية العاصفة باسم "هدى" كونه يحمل معنى الخير والإرشاد والصلاح ليكون تفاؤلاً منهم بأن تكون هذه العاصفة عاصفة خير تبشر بموسم مطري وزراعي،
كما ذكرت بعض مواقع الطقس أن أصل التسمية يعود إلى ذكر كلمة «هدى» في القرآن الكريم في قولة تعالى: «مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين». أما حول تسمية العاصفة باسم "زينة" فقد جاء تفاؤلاً بالأسماء التي تحمل خيراً قريباً سيحلّ على البلاد