(د ب أ)
“أحببتها وطلبت منها الزواج، إلا أن هذا الزواج لم يكتب له النجاح بسبب اعتراض أسرتي على هذه الفتاه كون والدها يعتبر من طبقة المزاينة بسبب مهنته، حيث يعمل حلاقاً في محافظة
تعز” هكذا يشرح سليم- الذي اكتفى بذكر اسم والده فقطً- معاناته بسبب
التقسيم الطبقي للمجتمع اليمني.
ويعتبر المجتمع اليمني أحد المجتمعات التي يقسم فيها الأشخاص إلى طبقات
بحسب اصولهم أو المهن التي يمارسونها، حيث يُقسم المجتمع اليمني إلى
طبقة القبائل، والقضاة، والسادة، ومن ثم المزاينة وهي الطبقة الدنيا.
ويتضح هذا التقسيم الطبقي بشكل جلي في التعامل بين الناس وخاصة في حالة
الزواج، فكل طبقة لا تُزوج أو تتزوج من الطبقة أو الشريحة الأدنى منها،
لاسيما طبقة المزاينة.
ويقول سليم لوكالة الأنباء الالمانية (د.ب.أ) إنه أحب تلك الفتاة التي
لم ير فيها أي عيب يمنعه من الارتباط بها، إلا أن أسرته هددته بأنها
ستتبرأ منه إذا أصر على الإرتباط بها، وعلى حد قوله، فإن أسرته تؤمن بأن
طبقة المزاينة تجلب العار لهم كونهم ينتمون إلى طبقة أعلى وهي طبقة
القبائل.
ويضيف “على الرغم من أنني لا أؤمن بهذه المعتقدات، إلا أنني لم اُقدم
على الزواج من تلك الفتاه حتى لا أخسر أسرتي”.
وحتى هذه اللحظة يؤكد سليم انه يشعر بالندم جداً لإنصياعه لأوامر أسرته
ومعتقداتها التي حرمته من الفتاة التي أحبها لا لشيء إلا لأن والدها
يعمل حلاقاً وينتمي إلى طبقة المزاينة على الرغم من ما يؤديه المنتمون
إلى هذه الطبقة من خدمات جليلة لا يمكن أن يستغني عنها المجتمع.
ويطلق لقب مُزين على ذوي الحرف والمهن اليدوية ويأتي في إطارهم
الحلاقيين والجزارين و وغيرهم من أصحاب الحرف التي يحتاج إليها المجتمع
ولكن يُنظر إليها نظرة دونية.
سليم ليس الوحيد الذي لم يستطع الإرتباط بالفتاه التي احبها ولكن هناك
العديد من الشباب الذين يواجهون نفس التحدي عندما يقعون في حب فتيات
تنتمي اسرهن إلى الطبقة الدنيا في المجتمع ويرضخون لمعتقدات اسرهم في
نهاية المطاف.
ويؤمن الكثيرون من جيل الشباب بأن التقسيم الطبقي ووجود فوارق بين هذه
الطبقات شيء لابد منه كونه مرتبط بجذور العائلة وسمعتها.
دارس عبد المنعم الأتم، طالب جامعي، يرى أن وجود تفرقة في الطبقات لا
يعد عنصرية كون هناك فرق جلي بين تلك الطبقات :”المزاينة لهم صفات لا
تتواجد في الطبقات الأخرى مثل الكرم والأصول”.
ومثله مثل شريحة كبيرة من المجتمع اليمني، يقول الأتم بأنه لا يقبل
بمعاشرة تلك الطبقة، أو القيام بالأعمال التي يقومون بها مهما كانت
ظروفه سيئة :”لن اقبل أن يلقبني أحدهم بالمزين فأنا أعتبر ذلك عارا في
حقي وحق أسرتي”.
ولا يعتبر الأتم ذلك استنقاصاً بحق هذه الطبقة، ولكنه يقول إن لكل طبقة
مكانتها في المجتمع.
وبالرغم من النظرة المجتمعية الدونية لطبقة المزاينة، يفتخر الكثيرون
ممن ينتمون لهذه الطبقة بالأعمال التي يقومون بها كون المجتمع لا يستطيع
الاستغناء عنهم.
صالح النقي، مالك إحدى محلات بيع اللحوم في شارع تعز بالعاصمة صنعاء
ويعمل فيها، ورث مهنة بيع اللحوم من والده ويؤكد أنه يفتخر بكونه جزاراً
حتى وإن كان هناك من ينظر لهذه المهنة نظرة دونية.
“لنفترض اننا توقفنا عن هذه المهنة بسبب النظرة الدونية تجاهنا فإلى من
سيذهب الناس لشراء اللحم. نحن الآن في عام 2015 ولا يزال الكثيرون للأسف
يفكرون من هذا المنطلق ويصنفون الناس إلى مُزين، وقبيلي، وشيخ. كلنا
اولاد تسعه ولا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى”.
النقي متزوج ولديه خمسة أبناء، ولكنه يؤكد أن أبناءه يحاولون في بعض
الأحيان إخفاء مهنته عن زملائهم في المدرسة نتيجة للازدراء الذي يتعرضون
له من قبل اصدقائهم الذين يلقبونهم “بالمزاينة”.
ويضيف “صحيح أن هناك عبئا كبيرا علينا وغيرنا من العاملين في بعض المهن
التي تندرج ضمن طبقة “المزاينة”، إلا أنني لا أؤمن بما يقوله الناس وبما
يعتقدونه. ما يهمني هو كسب قوت يومي ورزق أولادي من عرق جبيني وهو أفضل
لي من أن أمد يدي للغير”.
ويقول النقي لـ (د.ب.أ): هناك مجموعة من المهن الآخرى التي ينتقصها
المجتمع ويعتبرها من الأعمال الدونية لطبقة “المزاينة” منها مهنة
الكوافير، والاسكافي، والحلاقة، والغناء، والضرب على الطبل، الأمر الذي
يمنع العديد من المواطنين من ممارسة مثل هذه الأعمال خوفاً من أن يطلق
عليهم لقب مُزين.
وعلى الرغم من أن بعض من ينتمون إلى هذه الطبقة يملكون الكثير من المال،
إلا أن هذا لم يُمكنهم من الخروج من إطار طبقة المزاينة نتيجة لعدم قبول
الأسر التي تنتمي إلى الطبقات الأخرى الإرتباط بهم.
وبالرغم من تجذر هذه المعتقدات في المجتمع اليمني، إلا ان هناك الكثير
ممن ينكرونها ولا يؤمنون بها، بل ويعتبرونها منافية لحقوق الإنسان الذي
يكفل حقوق متساوية لكافة المواطنين.
إيمان الحميدي، موظفة قطاع خاص، قالت لـ (د.ب.أ) إنها لا تؤمن بفكرة
التفرقة بين الناس على أساس المهن التي يعملون فيها.
وتضيف “ما يميز شخص عن آخر هو أخلاقة وهناك اشخاص ينتمون إلى طبقة
المزاينه وهم افضل بكثير من اولئك الذين ينتمون إلى طبقة القبائل”.
وتتعجب الحميدي من اولئك الذين يرفضون الزواج والإختلاط مع “المزانية”،
وأولهم على حد قولها أسرتها التي لن تسمح لها بالإرتباط برجل من تلك
الطبقة :”يجب علينا أن لا نكون مثل عائلاتنا وأن نفرض رأينا حتى لا
يستمر هذا التفكير بالإنتقال من جيل إلى آخر”.
عبد ربه البردوني، موظف قطاع خاص، يتفق بشده مع الحميدي وينكر تلك
المسميات التي تنتشر في أوساط المجتمع، ويعتبرها نوعاً من أنواع
العنصرية.
ويقول “نحن جميعنا بشر..لا فرق بيينا سوى بالأخلاق والتقوى. لا يجوز أن
نستصغر شخصا ونقلل من قيمته كونه يشتغل في مهنة معينة لكسب قوت يومه”.
ويفضل البردوني أولئك الأشخاص الذين يعملون في تلك المهن طالما أنهم
يكسبون من الحلال ولا ينهبون المال العام.
وأعتبر البردوني تلك المعتقدات من العادات اليمنية القديمة التي تولدت
نتيجة للجهل المُتفشي في المجتمع، ومن المفترض أن تنتهي في الوقت الراهن
على حد قوله، وإلا سيستمر الجهل والتخلف بين الجميع ولن يًفرق ذلك عن
عصر الإمامة.
وعلى الرغم من وجود الكثير من المنظمات التي تدعو إلى المساواة بين
الجميع، إلا انه حتى يومنا هذا لا تزال هذه النظرة الدونية موجودة
ومتغلغلة بين كثير من الأسر.
ويُعرف الكاتب اليمني علي المقري المزاينة في اليمن بأنهم الأشخاص الذين
يمارسون مهنة الحلاقة والجزارة، موضحاً أن لهم وضع تمييز خاص يرجع إلى
تقسيم طبقي قديم :”فقد صنفوا من أولاد الخُمس والذين يشملون الجزارين،
الحجامين، الحمامين (الخادمين في الحمامات)، بالإضافة إلى بائعي القات
والمقهويين (الذين يقدمون الشاي والقهوة في المقاهي).”
وأشار إلى أن الطبقة العليا هي للقبائل، ومن ثم يأتي المشايخ، وبعدهم
القضاة ثم السادة، موضحاً إنه حتى يومنا هذا لم تعرف الدوافع
الديموغرافية التي أدت إلى ممارسة هذه المهن من قبل فئة معينة.
وقال المقري إن العوامل الاقتصادية كانت السبب الرئيس وراء وضع هؤلاء في
السلم الأدنى، ولا يقل عنهم سوى اليهود ثم العبيد والمهمشين “ذوي البشرة
السوداء”.
:”يبدو لي من خلال بعض الإشارات أن بعض ممارسي هذه المهن في شمال اليمن
هم من الشراكسة والأتراك..كانوا قد جاءوا مع الغزو العثماني لليمن وهناك
أقليات ذات أصول فارسية”.
فيما اشتغل هذه المهن في مدينة عدن جنوب اليمن أثناء الاستعمار
البريطاني أفراد من عدة جنسيات أو أصول مختلفة وأبرزها الهندية،
الفارسية بحسب المقري، الذي أوضح أن هذا التمايز المهني الطبقي تحول إلى
تمييز عنصري فئوي تراتبي:” كل فئة لا تقبل الطبقة الأدنى كالتعايش
الاجتماعي من خلال الزواج وغيره وإن استطاع أفراد هذه الفئة تحقيق مكاسب
مالية أخرجتهم من الحصر الطبقي”.
تقرير روتانا