أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يحبُّ للإنسان أن يعطس؛ ولعلَّ ذلك لما فيه من فوائد صحِّيَّة تدفع عنَّا الكثير من الأذى؛ لذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للعطاس سننًا خاصَّة تجعلنا نهتمُّ به، وهي عبارة عن أذكار يقولها العاطس، وكذلك الذي يسمعه يعطس؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ: فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ: هَا. ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ".

وأكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشميت العاطس -أي قول: يرحمك الله- من حقوق المسلم على إخوانه؛ فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ".

وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ. وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ".

فهذا حوار جميل يدور بين المؤمنين وكان سببه العطاس؛ فالعاطس يحمد الله، والذي يسمعه يدعو له بالرحمة، فيرد العاطس بالدعاء له بالهداية وإصلاح البال؛ ولعلَّنا نلحظ أن بداية الحوار كانت بحمد العاطس لله عز وجل؛ فإن لم يفعل ما جاز لمن سمعه أن يدعو له بالرحمة؛ فقد روى البخاري عن أَنَس رضي الله عنه، يَقُولُ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا -أي قال له: يرحمك الله- وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي. قَالَ: "إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ".

فلْنحرص على هذه السنن الجميلة، ولْنستشعر حُبَّ اللهِ للعطاس، وما يتبعه من سنن.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].


د/ راغب السرجاني