فلا شَجرٌ ولا ماءٌ ولا طَيرُ.
فَماذا يَصنَعُ الشِّعرُ؟!
دَعِ المَوتى
ولا تُشغَلْ بِهَمِّ الدَّفنِ إذ يَبدو
لِعَيْنكَ أنَّهُم كُثْرُ..
فلا شَجرٌ ولا ماءٌ ولا طَيرُ.
فَماذا يَصنَعُ الشِّعرُ؟!
دَعِ المَوتى
ولا تُشغَلْ بِهَمِّ الدَّفنِ إذ يَبدو
لِعَيْنكَ أنَّهُم كُثْرُ..
سنحبُّ ما دمنا نعيشْ، ونعيش ما دمنا نحبُّ..
سنظلُّ نكتب فوق أسوار الحياةِ
-لنا إلى أيامنا الخضراء دربُ..
بغداد منكِ، وأنتِ مني
فلنحاولْ.. أن نغنّي
كي يظلَّ غناؤنا معنا يقاتلْ..
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
بغدادُ دارَ الملوكِ كانتْ حتّى دهاها الذي دهاها
ما غابَ عنها سرورُ ملكٍ عادَ إِلَى بَلْدَة ٍ سِواها
ليسَ سُرورٌ بُسُرَّ مْنْ را بَلْ هي بُؤْسٌ لِمنْ يَراها
عجَّلَ ربِّي لها خراباً برغمِ أنفِ الذي ابتناها !
.. وكان في بغداد يا حبيبتي، في سالف الزمانْ
خليفةٌ لهُ ابنةٌ جميلَهْ..
عيونُها.
طَيْرانِ أخضرانْ..
وشَعْرها قصيدةٌ طويلَهْ..
سعى لها الملوكُ والقياصرَه..
وقدّموا مَهْراً لها..
قوافلَ العبيد والذهبْ
وقدّموا تيجانَهُم
على صحافٍ من ذهبْ..
ومن بلاد الهند جاءها أميرْ..
ومن بلاد الصين جاءها الحريرْ..
لكنما الأميرةُ الجميلَهْ
لم تقبلِ الملوكَ والقصورَ والجواهرا..
كانت تحبّ شاعرا..
يلقي على شُرفتِها
كلَّ مساءٍ وردةً جميلَهْ
وكِلْمةً جميلَهْ..
تقولُ شهرزادْ:
.. وانتقم الخليفةُ السفّاحُ من ضفائر الأميرَهْ
فقصّها..
ضفيرةً.. ضفيرَهْ..
وأعلنتْ بغدادُ – يا حبيبتي- الحدادْ
عامينِ..
أعلنتْ بغدادُ – يا حبيبتي – الحدادْ
حُزْناً على السنابل الصفراء كالذهَبْ
وجاعت البلادْ..
فلم تعُد تهتزّ في البيادرِ
سنبلةٌ واحدةٌ..
أو حبّةٌ من العنبْ..
وأعلنَ الخليفةُ الحقودْ
هذا الذي أفكاره من الخشبْ
وقلبهُ من الخشبْ
عن ألف دينارٍ لمن يأتي برأس الشاعرِ.
وأطلقَ الجنودْ..
ليحرقوا..
جميعَ ما في القصر من ورودْ..
وكلّ ما في مُدُنِ العراقِ من ضفائرِ.
*
سيمسحُ الزمانُ، يا حبيبتي..
خليفةَ الزمانْ..
وتنتهي حياتُهُ
كأيّ بهلوانْ..
فالمجدُ .. يا أميرتي الجميلَهْ..
يا مَنْ بعينها، غفا طيرانِ أخضَرانْ
يظلّ للضفائر الطويلَهْ..
والكِلْمةِ الجميلَهْ..
ونحنُ عذابُ الدروبِ
وسخطُ الجِهاتِ
ونحنُ غُبارُ الشُّعوبِ
وعَجْزُ اللُّغاتِ !
ما زلتُ أبحث عن ملامح منزلي
هل في المنازل يا ترى أصحابُ؟
يا أيها الوطن المعتّق في دمي
كن ما تشاء ولا تكن من غابوا !
شوقٌ إليكِ تَفيضُ منهُ الأدمع
وجوىً عليك تضِيق منه الأضلعُ
وهوى تجدّدهُ اللّيَالي كُلّما
قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ، فيرْجعُ!
رويـدكَ إنَّ الموجَ في البحرِ صاخبُ وبالله لا بـالـناس تُقضى المطالبُ