يحكى أن ملكا من الملوك خرج مع وزيره للغزو، وفي الطريق شاهدا ولدا يسير ، فقال الملك للوزير: نحن في طريقنا إلى الغزو ، فلماذا لا نتفاءل بهذا الولد؟ فلعله يكون فال خير علينا.
قال الوزير للملك: سمعا وطاعة يا سيدي.
فنادى الوزير على الولد، وطلب منه أن يحضر بين يدي الملك .
قال له الملك: ما اسمك؟
أطرق الولد برأسه قليلا ، ثم رفع رأسه، وقال: فتاح.
سر الملك وتفاءل بالخير، وأيقن بالنصر لانه ذاهب إلى الغزو، واسم الولد الذي تفاءل به فتاح.
ثم سأل الملك الولد: إلى أين تذهب؟
أجاب الولد: إلى المعلم.
فازداد فرح الملك وسروره ،وازداد يقينه بالنصر ( الولد اسمه فتاح ، وذاهب الى المعلم ) .
بعد ذلك سأل الملك الولد: وما درسك؟
فأجاب الولد: إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
عندما سمع الملك كلام الولد، فرح فرحا كثيرا، وأيقن يقينا كبيرا بالنصر، واعتنق الولد، وقبله، وقال له:
اذهب يا بني على بركة الله إلى درسك.
وبالفعل ذهب الملك ووزيره للغزو ، وانتصر الملك في المعركة ، وفي طريق العودة قال الملك للوزير: نريد أن ندهب إلى المعلم ؛لكي نكافئ الولد الذي تفاءلنا به، وكان فال خير علينا، وانتصرنا في المعركة.
قال الوزير: سمعا وطاعة يا مولاي.
ذهب الملك والوزير إلى المعلم ، واستقبلهما المعلم بالسلام والتحية ، وأجلس الملك على يمينه والوزير على يساره.
نظر الملك في وجوه الأولاد، فرأى الولد الذي تفاءل به جالسا في زاوية المجلس.
قال الملك للوزير: أريد الولد الجالس في الزاوية وأشار إليه بيده.
فصاح المعلم على الولد قائلا: عابس، تعالى يا بني.
جاء الولد، وجلس بأدب بين يدي الملك.
استغرب الملك من الولد، وقال في نفسه: عندما سألته قال لي: اسمه فتاح ، والآن المعلم يناديه عابس.
قال الملك للمعلم: دعه يقرأ في درسه.
قال المعلم للولد: اقرأ يا بني في درسك.
فقرأ الولد: عبسى وتولى، ان جاءه الاعمي.
فازداد استغراب الملك ودهشته.
سأل الملك الولد: لماذا عندما سألتك عن اسمك قلت: فاتح ، وعندما سألتك عن درسك قلت: إنا فتحنا لك فتحا مبينا؟
قال الولد: أنا ولد صغير، وأنت ملك البلاد وعندما سألتني عن اسمي ، فكرت في الأمر وقلت: من غير المعقول ان الملك يوقفني، ويسألني عن اسمي من غير هدف، وقلت في نفسي لا بد ان الملك يتفاءل بي، ولو قلت لك اسمي عابس؛ لتشاءمت مني، لأن عابس من مادة عبس بمعنى قطب وجهه. ولو قلت لك أن درسي عبسى وتولى ؛ لازددت تشاؤما، ولذلك قلت لك: اسمي فتاح ، ودرسي انا فتحنا لك فتحا مبينا ؛ لأكون فال خير عليك.
أعجب الملك بأدب و ذكاء الولد ، وقال الوزير: اعطه دينارا.
رفض الولد أخذ الدينار، فنهره الوزير، وقال له: أترفض عطية الملك؟
قال الولد: أنا لا أرفض عطية الملك ، بل أتشرف بها، ولكن اذا رجعت إلى البيت سيقول لي والدي: من أين لك هذا الدينار؟
قال الوزير: قل له من الملك.
قال الولد: لن يصدقني وسيقول لي: ان الملوك لا يعطون دينارا.
فازداد إعجاب الملك بأدب الولد وذكائه و قال للوزير: اعطه مائة دينار.
بعد ذلك ودع الملك المعلم ، وخرج، فنادى المنادي: ابتعدوا عن طريق الملك،افسحوا الطريق للملك . فابتعد الناس ووقفوا على جانبي الطريق، ولكن هناك رجل كبير في السن، عليه ثياب رثة، وشعره وكبير، وحالته لا تسر الناظرين، لم يبتعد عن الطريق ، وأخذ يكيل الشتم والسب للملك، ويقول: من هذا الملك ؟ الفاعل .... الكذا...... الكذا....
فقال الملك: اقبضوا عليه، واعلنوا في البلاد من أراد ان ينظر إلى تأديب المسيء فليقبل. فاجتمع الناس في ساحة كبيرة للنظر إلى تأديب المسيء.
خرج الولد مع الأولاد من المعلم، فسمعوا المنادي، فذهبوا مع الناس ؛ ليروا كيف سيكون تأديب المسي؟ فبينما هم يسيرون
واذا بالولد يحدق النظر بقوة ، وفجأة أخذ يشق الصفوف، و يركض بسرعة كبيرة باتجاه الملك، وعندما وصل الى الملك، أخذ المائة دينار، ورماها في حضن الملك، وقال له: هذه فداء لأبي.
فقال الملك للولد: هذا أبوك !
فقال الولد: نعم
فقال الملك: نعم الابن وبئس الأب .
فقال الولد: لا تقل هكذا، بل قل نعم الأب وبئس الجد، فأبي أدبني ، ولكن جدي لم يؤدب أبي.
فقال الملك للولد: لقد عفونا عن أبيك اكراما لك .العبرة من القصة:1) على الآباء ان يهتموا بتعليم وتأديب أبنائهم.
2) عدم التسرع في الاجابة بل عليك التريث قليلا قبل الاجابة.
3) احترام الكبير وتوقيره والجلوس أمامه بأدب واحترام.
4) ان اجتماع الذكاء مع الادب يجلب للانسان الخير والسعادة.
5) حفظ اللسان عن الكلام الفاحش والسب والشتم ( فلسانك حصانك ، ان صنته صانك، وان هنته هانك )