- صبــــــــــــــــاح الخير ....
التفتت ْ ...كان ينظر اليها بعينين مليئتين بالتحدي ....لكنه لم يكن يتحدث اليها ....ابتسمت ....و استدارت بغيظ و دخلت مكتبها ...احست بأنه كان يضحك منها في سرّه ...كان يمارس دوراً لا يناسبه ...لأن الجميع شهد له انه ليس هكذا ...و أن يكون (هكذا ) لا يليق به كما فهمت ْ من احاديثهم عنه ....حاولت نفضه عن افكارها ...و بدأت تعمل .
مازال صوته يرن في اذنها كجرس:صبااااح الخيرررر...صبااااح الخيرررر..
أنّبتْ نفسها لأنها استدارت ...كان من الضروري ان تميز صوته قبلها ...ام تُراها استدارت لا شعورياً لأنه كان صوتَه ...عند هذه الفكرة ...عنفت نفسها .
مازال صوته يصلها من الباب نصف المفتوح متمازحاً مع زميلة لهما تشاركها الغرفة ...و حين دلفت هذه، كان لا يزال خيطٌ من حديثٍ يربطهما ...لكنه وقف عند حدِّ الباب ...
سمعته يقول : المرأة التي لا تضع المساحيق على وجهها ...امرأة مخيفة ...ارتفعت قهقهة زميلتها الغارقةِ القسماتِ بالالوان ...
اطرقت برأسها هي لتخفي (وجهها المخيف العاري )..أهكذا هو اذاً ....هذا الذي يقولون عنه أنه (ليس هكذا)..!!!
و ساد بعدها صمتٌ جَرَحَهُ صوت اوراقٍ بعثرتها زميلتها على مكتبها ...باحثةً عن شيء ما ..احست بصمته النافذ عبر الباب سهماً وجّههُ اليها ...كمن كان ينتظر رد الصفعة ...و هو يعرض الفرصة بتحدٍ ...واقفاً ينتظر ...
اغاظها ان تبقى تحت ناظريه ...فنهضت مُستجمعة كل قواها لتمر خلال بابه ..و حين صارت قريبة ...اتمَّ جملته المنقوصة بالصمت قائلا لزميلتها :..اتدرين لم هي مخيفة ...؟
ثم اكمل دون انتظار تفاعل ...:لأنها امرأة تثق في نفسها اكثر .
ابصرته يدير ظهره ...و يختفي كأنه ماكان .
للمرة الثانية احست بالاهانة ...و لامت نفسها بسبب محاولة الهرب السخيفة تلك ..قلَّبت كلماته .. بعثرتها و اعادت ترتيبها بكل الطرق ...ماذا كان يعني ؟ ...لم تستطع ان تصل في النهاية الى يقين ...
- ما لكِ ؟
جاءها صوت زميلتها مباغتاً ...
- ما بهِ ؟ سمعتْ نفسَها تسأل ...
- من ؟
- هو َ.
- لا ادري ...هو ليس في العادة هكذا .
لم تملك الا ان تعتصر رأسها بين كفيها لتخرس صرخة دوت فيه (بالله اذاً كيف يكون )....؟
.......
اختفى لأربعة ايام بعدها ...حاولت فيها ان تكبت فضولها ..و رغبتها في ان تسأل عنه ..افلحت في النهاية في الشعور ببعض الراحة لغيابه عن محاصرتها .
في اليوم الخامس التقيا في ممشى ...وحين صارا متقابلين
رمى بتحية الصباح ..
استدارتْ للخلف كيما تعرف المقصود بها ممن خلفها ...ﻻ احد .
باغتتها ضحكته : انت ِ..انت ِ...
و مضى باسما ً...
كادت تبكي غيظا ....
...........
كان لابد من حلٍّ لمعضلة تتعلقُ بالآخر ...لابد اما ان يعود ، اذ هو (ليس هكذا )...لترتاح من صداعه ..او ان يفهم الجميع انه هكذا ...
استنفرت كل طاقات دماغها لتهرب من فخاخ اصراره الساخر ..لتهرب من اي موقف ينتهي بلوم الذات ...
لم تعد تبدأ او ترد سلامه ..لها كان او لغيرها ...فكرت في انه من اوصلها لهذه الدرجة من اللاتهذيب ...
ورغم كل ترتيبات الحيطة ،استمر وجوده موتّراً ...و صوتُه مثيراً لكراهية ما ...
- بالمناسبة ...(بادرها في ظهيرة عمل ..)...ليس من الطبيعي ان نتجاهل سلام الاخرين بهذا البرود ...و ان نعاملهم بقسوة بلا سبب ..
لم يكن احد سواهما هناك هذه المرة ...كان الكلام موجهاً اليها ولا شك ...رفعت اليه ناظريها ..كان جاداً ...و مقطباً جبينه في غضب بارد ...
لكنها لم تجب .
- لستِ تمثالاً ...تتكلمين انتِ مع الاخرين ...اسمعكِ و اراكِ ...لم لا تردين على سؤالي ؟
احست انها لن تجيب ...هي وصلت لمرحلة اللاعودة في الصمت معه ...
- الن تجيبي ؟ مالك ِ و لي ؟ يقولون لي انك لستِ هكذا !
(لست هكذا) .....كانت الزناد الذي داسه دون حذر ...فانهمر رصاصها ...انهمرت كسيل من غضب ...و غيظ ..و تعجب ...و ختمت بصرخة احتجاج :
- انتَ ايضاً لستَ هكذا ....هذا قولهم عنك ايضا ً....ﻻ تصدق الاخرين ايها الحاذق .
تشاركا مسيرة صمت .....كانت مرهقة ...و بدا حزينا ً...
في النهاية علق بيأس :
انا لست هكذا ...كان عليكِ ان تفهمي ان امرأة تدفع الرجل ليتغير (بأي شكل كان ) هي امرأة شكلت انعطافة خاصة في ضميره ..و اختلفت عن الاخريات في دربه .
ابصرته يغادر بخطوات ثقيلة ...و فكرت : كلامٌ ذو اتجاهين ايها الحاذق...لو انك تدرك...فأنا ايضاً لستُ هكذا.