مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُطيل جدًّا في صلاة القيام فإن سُنَّته في ركعتي الفجر -التي تعقب القيام مباشرة- كانت مخالفة تمامًا؛ إذ كان يُخَفِّف فيهما جدًّا! فقد روى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَيُخَفِّفُ، حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ؟"، فتخفيفه كان كبيرًا إلى درجة أن عائشة رضي الله عنها كانت تسأل نفسها: هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟!


وروى ابن ماجه -وقال الألباني: صحيح- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَكَانَ يَقُولُ: "نِعْمَ السُّورَتَانِ هُمَا، يُقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ".


فنحن إذا كنَّا نتعبَّد اللهَ في قيام الليل بتطويله؛ فإننا نتعبَّده في ركعتي الفجر بتخفيفهما، والدافع لنا لفعل ذلك هو اتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال لنا -كما روى البخاري عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه-: ".. وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي..".


ولعلَّ العلَّة في ذلك أن المسلم يكون خارجًا من صلاة الليل الطويلة، ومُقْبلاً على صلاة الصبح، وهي صلاة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطيل القراءة فيها نسبيًّا؛ فكان الأنسب أن تكون ركعتا الفجر خفيفتين حتى يتمكَّن المسلم من الخشوع في صلاة الصبح، ولا ينصرف ذهنه عن التركيز فيها بسبب شدَّة الإرهاق، وفي النهاية نحن نُقَلِّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتَّبع سُنَّته سواء أدركنا العلَّة من ورائها أو لم ندركها.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

د/ راغب السرجاني