ما هو الإنترنت وكيف يعمل ومن الذي يمتلكه؟ – الجزء الثاني
تحدثنا في الجزء الأول عن ماهية الإنترنت وكيفية عمله وتعرفّنا على أهم مكوناته الأساسية وكيفية انتقال البيانات بين الأجهزة المختلفة من خلاله، واليوم نكمل الحديث لنحاول الإجابة عن الشق الثاني والأخير من السؤال الذي طرحناه في عنوان المقال، من الذي يمتلك الإنترنت. للاطلاع على الجزء الأول يمكنكم الضغط هنا.
تخيل نفسك في غرفة مليئة بأناس من دول مختلفة، وكل شخص منهم يتحدث بلغته الخاصة فقط، الآن ما الذي علينا فعله ليكون هناك تواصل فعّال بين كل هؤلاء؟ علينا أن نبتكر مجموعة من المعايير والقوانين والمصطلحات التي يفهمها ويتفق عليها الجميع، وهذا هو ما يجعل الإنترنت شيئًا فريدًا، إنه نظام يسمح لشبكات الكومبيوتر المختلفة بالاتصال والتواصل مع بعضها البعض باستخدام مجموعة قوانين معيارية سبق الاتفاق عليها، بدون تلك القوانين والمعايير لم يكن بأي حال من الأحوال لتلك الشبكات أن تتصل ببعضها البعض. الآن هل يمكنك أن تتخيل معي مدى اتساع الإنترنت؟ الإنترنت عبارة عن مجموعة من شبكات الكومبيوتر المتداخلة والتي تمتد بامتداد البشر في العالم كله ويعتمد بشكل أساسي على مجموعة من العتاد Hardware ومجموعة من المعايير يطلق عليها بروتوكولات Protocols، هذه البروتوكولات تجعل عملية الاتصال بين أجهزة الكومبيوتر الموجودة في الشبكات المختلفة ممكنة كما أنها تعتمد على بنية تحتية هائلة من المُوجّهات Routers أو نقاط الوصول للشبكة Network Access Points وأجهزة الكومبيوتر نفسها، ثم هناك الكابلات والأسلاك أو موجات الراديو التي تقوم بنقل الإشارات بين كل تلك الأجهزة.
إنه نظام عالمي بالفعل، الكابلات العملاقة تربط الدول والمحيطات ببعضها وتتخطى كل الحدود، ومازال نمو الإنترنت مستمرًا وأجهزة جديدة تنضم إليه كل يوم وشركات ومنظمات تسعى لإيصاله للمناطق النائية التي لم تتصل بالإنترنت بعد، يمكننا القول أن الإنترنت نظام عملاق يتكون من أنظمة أخرى أصغر حجمًا، وإذا كان الإنترنت شيئًا واحدًا، هل يمكننا أن نقول أن له مالكًا واحدًا؟ هل هناك شخص ما أو جهة معينة تتحكم في الإنترنت؟ هل يمكن لشخص ما أن يمتلك شيئًا تتخطى حدوده حدود الدول والمحيطات نفسها؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقالنا اليوم. إذًا من الذي يمتلك الإنترنت فعليًّا؟ هناك إجابتان لهذا السؤال، الأولى لا أحد، والثانية الكثير من الناس. إذا نظرت إلى الإنترنت كوحدة واحدة إذا لا يوجد أحد يمتلكه، هناك منظمات تحدد هيكلة الإنترنت وطريقة عمله ولكن ليس لهم أي صلاحيات ملكية لأي شيء في الإنترنت، ليس هناك أية حكومة أو شركة يمكنها الادعاء بامتلاك الإنترنت، يمكننا تشبيه الإنترنت بالنظام التلفوني حيث لا يوجد جهة معينة تمتلك كل شيء فيه. من وجهة النظر الأخرى يمكننا افتراض أن آلاف وملايين البشر والشركات تمتلك الإنترنت، ففي النهاية الإنترنت يتكون من مكونات صغيرة ومختلفة كل منها له مالكه الخاص، بعضهم يمكنهم التحكم في جودة ومستوى وصولك للإنترنت ولكنهم لا يمتلكون النظام بأكمله بالرغم من قدرتهم على التأثير على استخدامك للإنترنت.
الجزء المادي من الإنترنت المسؤول عن حمل البيانات بين المستخدمين والأجهزة المختلفة يُعرف بالعمود الفقري للإنترنت Internet Backbone. في بدايات عصر الإنترنت كانت شبكة ARPANET تقوم بهذه الوظيفة (معلومات أكثر في نهاية المقال) أمّا اليوم فهناك مؤسسات كبيرة وشركات عملاقة تقوم بتوفير البنية التحتية التي يتكون منها العمود الفقري للإنترنت Internet Backbone، هذه الشركات هي المزود الرئيسي والمصدر الذي تحصل منه شركات تزويد خدمات الإنترنت Internet Service Providers أو ISP على اتصالها الحقيقي بالإنترنت، ما يعني أن أي شخص أو جهة ترغب في الاتصال بالإنترنت يجب أن تعمل مع هذه الشركات، ثم هناك شركات تزويد خدمات الإنترنت الصغيرة والتي لا تعتبر جزءًا من العمود الفقري أو البنية الأساسية للإنترنت Internet Backbone هذه الشركات الصغيرة تتفاوض مع تلك الكبيرة من أجل الحصول على صلاحيات الوصول إلى الإنترنت (اتصال مادي بالشبكة)، شركات الكابل أو خدمات ADSL مثال جيد لشركات تزويد خدمات الإنترنت الصغيرة التي نتحدث عنها، هذه الشركات تمثل حلقة الوصل المباشرة بين المستخدم والإنترنت.
إذًا هناك شركات عملاقة قامت بمد الخطوط الرئيسية والإمدادات الأساسية التي تعتمد عليها البنية التحتية للإنترنت، لهذه الشركات أو المنظمات شبكاتهم العملاقة، وهي أكثر مما يمكننا أن نحصيه، كما أنه بإمكانك إنشاء شبكتك العملاقة أيضًا في أي وقت وتصبح جزءًا من البنية التحتية للإنترنت، هذه الشبكات الرئيسية متصلة بشبكات أخرى فرعية أو أصغر حجمًا ثم تتصل الأخيرة بدورها بشبكات أصغر حتى يصل الاتصال إلى جهازك المكتبي في المنزل أو هاتفك الذكي الذي في جيبك، تتصل تلك الشبكات الرئيسية ببعضها البعض لتتيح لكل من الشبكات الأخرى الفرعية المتصلة بها أن تصبح أيضًا متصلة ببعضها البعض، وفي النهاية سنحصل على شبكة من الشبكات المتداخلة نطلق عليها الإنترنت. ضمن حدود البنية الأساسية للإنترنت نجد ما يعرف بنقاط تبادل الإنترنت أو Internet Exchange Points وهي عبارة عن نقاط الاتصال المادية بين الشبكات الرئيسية التي تحثنا عنها وتسمح بتبادل البيانات، شركات خدمات الإنترنت الكبيرة التي ذكرناها مثلًا والتي تقدم جزءًا كبيرًا من البنية الأساسية للإنترنت نجد أنها متصلة ببعضها البعض عبر نقاط تبادل الإنترنت، تلك للسماح لمستخدمي كل جهة من تلك الجهات بالاتصال مع بعضهم البعض أيضًا وهناك شركات ومنظمات غير ربحية تحمل على عاتقها مهمة إدارة نقاط التبادل تلك.
شبكات الكومبيوتر الفردية التي يتكون منها الإنترنت يمكن أن يكون لها ملاكها وكذلك شركات تزويد خدمات الإنترنت لهم شبكاتهم الخاصة. في بعض الدول تشرف الحكومات على تلك الشبكات، الشركات أو المجموعات لهم شبكاتهم الخاصة من نوع Local Area Networks LAN والتي بعد اتصالها بالإنترنت تعد جزءًا لا يتجزأ منه وفي نفس الوقت وحدة قائمة بذاتها لها مالكها ووفقًا للقوانين والتشريعات الخاصة بكل دولة يمتلك أصحاب تلك الشبكات الحق في تحديد مستوى وصول مستخدمي تلك الشبكات إلى الإنترنت. وبالتالي إذا كنت تمتلك جهازًا متصلًا بالإنترنت فيمكنك أن تعتبر نفسك مالكًا لجزء صغير جدًّا من هذه المنظومة العالمية المتداخلة.
السؤال الثاني الذي قد يتبادر إلى الذهن هو إذا كان الإنترنت نظامًا لا يمتلكه شخص واحد، إذًا من المسؤول عن إدارته والتأكد من سير كل شيء وفقًا للمعايير؟ كما ذكرنا سابقًا الإنترنت يعمل بسبب مجموعة من القوانين التي يطلق عليها بروتوكولات Protocols، باتباع هذه المعايير يمكن لأجهزة الكومبيوتر أن ترسل وتستقبل البيانات من وإلى أجهزة أخرى من خلال شبكة الإنترنت، بدون تلك المعايير والقوانين لا يمكن أن نضمن أن تصل تلك البيانات للطرف الآخر أو حتى أن يتمكن الطرف الآخر من فهمها، وكلما تطور الإنترنت ونما لابد أن تتطور تلك المعايير أيضًا، ما يعني أنه لابد من وجود جهة ما مسؤولة عن ذلك، هناك منظمات عديدة تشرف على البنية التحتية للإنترنت والقوانين والمعايير الخاصة به نذكر منها:
- The Internet Society: وهي منظمة غير ربحية مسؤولة عن تطوير المعايير والاتفاقيات والوسائل التعليمية الخاصة بالإنترنت.
- (The Internet Engineering Task Force (IETF: عبارة عن منظمة دولية لها عدة أقسام وفروع كلٌّ منها يهتم بجزء معين متعلق بالإنترنت، مثل الحماية والسرعة، هذه الأقسام تحاول الحفاظ على ثبات وبنية الإنترنت.
- (The Internet Architecture Board (IAB: عبارة عن لجنة تابعة لمنظمة IETF التي ذكرناها ومسؤليتها تتلخص في الإشراف على تصميم وتطوير بروتوكولات ومعايير الإنترنت.
- (The Internet Corporation for Assigned Names and Numbers (ICANN: عبارة عن مؤسسة خاصة غير ربحية مسؤولة عن إدارة نظام أسماء النطاقات أو ما يعرف بـ(Domain Name System (DNS وتحرص هذه المنظمة على التأكد من أن كل اسم نطاق (عنوان الموقع، ibda3world.com مثلًا) مرتبط بعنوان الإنترنت الرقمي IP الصحيح الخاص به.
منظمة IETF وThe Internet Society كلاهما يتميزان بعضوية مفتوحة، أي أنهما يرحبان بالمشاركة من قبل أي شخص ليساهم في تشكيل طريقة عمل الإنترنت وتطوره، منظمة ICANN من الجهة الأخرى منظمة خاصة وهذه الطبيعة الخاصة هي ما تقلق بعض الأشخاص الذين يعتقدون أن المنظمة تمتلك سلطة كبيرة فوق أي شخص يرغب في ترخيص اسم نطاق (عنوان لموقع) على الإنترنت، تجني منظمة ICANN المال عبر شركات أخرى يطلق عليها registrars وهي الشركات التي تقوم ببيع أسماء النطاقات للمستخدمين والشركات بشكل مباشر. وفقًا لهذا المنطق فقط منظمة ICANN هي التي يمكنها أن تحدد إذا ما كان يمكنك الحصول على اسم النطاق الذي اخترته أم لا. بينما لا تمتلك أي منظمة من المنظمات والجهات السابقة الإنترنت إلا أنها تؤثر بشكل ملحوظ في طريقة وكيفية عمله.
ARPANET كانت عبارة عن شبكة من أجهزة الكومبيوتر المتواجدة في الجامعات والوكالات الحكومية ومراكز الأبحاث، الأشخاص الذين قاموا ببناء شبكة ARPANET قاموا بتصميم العديد من البروتوكولات التي لازال الإنترنت يستخدمها اليوم. عندما بدأت جهات أخرى في أماكن أخرى بإنشاء شبكاتها المماثلة وحدث اتصال مادي بين تلك الشبكات وشبكة ARPANET ولد الإنترنت، الوكالة المسؤولة عن تطوير شبكة ARPAnet كانت وكالة أبحاث مشاريع الدفاع المتقدمة DARPA وهي أحد أذرع وزارة الدفاع الأمريكية، وبما أن الحكومة الأمريكية هي التي قامت بتمويل المشروع في البداية يمكننا أن نفترض أن الولايات المتحدة في وقت ما كانت تمتلك الإنترنت.
الجزء الاول