كانت تبدو في قمة سعادتها.. فزوجها سيلتقي بها بعد غياب.. ارتدت أجمل الثياب وتعطرت وتزينت.. ذهبت إلى شقيقتها وسألتها: ما رأيك؟.قالت لها بإعجاب: تبدين آية في الجمال.
قالت بسعادة : حقاً.. هل فعلاً أبدو كذلك؟.. أريد أن أبهره بجمالي وحسني وبهائي.
قالت : لماذا؟
قالت: لأنني لا أريد أن ينشغل تفكيره عني دقيقة واحدة.. أريد أنا أجعل عينيه وقلبه وفكره معي طوال الوقت.. ولا أحد سواي يحظى باهتمامه.. فلن أرضى أن أكون معه وأراه ينظر لامرأة غيري.
قالت شقيقتها بعدم اهتمام: لو كان يحبك حقيقة لما نظر لغيرك.
قالت: إنه يحبني.. وأنا أعلم ذلك.. ولكن يجب أن أتيقن دوماً من عدم تواجد من تسرق حبه مني.
قالت ببرود: حسناً.. حاولي الذهاب معه إلى أي مكان لا يتواجد فيه الكثير من الفتيات.
قالت بإصرار: بل أريد أن ألتقيه في مكان يعج بالفتيات الجميلات.. الفاتنات.. لأستيقن بنفسي.. هل سيبقي ناظريه علي.. أم …
قاطعتها وهي تغمز لها: إلى ماذا ترمين؟.. وماذا ستفعلين إن نظر إلى فتاة أخرى؟
قالت: سأتركه وأرحل.
قالت باستغراب: تتركينه!! تتركينه فقط لأنه نظر إلى امرأة أخرى.. وهل تتخلين عن حبك له بهذه السهولة؟
أجابت: أجل أحبه.. ولأني أحبه فلا أريده أن يكون إلا لي.. أتفهمينني لي وحدي.
قالت: أنت مجنونة.. هذا اسمه جنون وليس حب.
قالت: لو سمحت له الآن بالنظر إلى أية فتاة أخرى.. فلن أضمن ما سيفعله لاحقاً.. ربما يخونني أو يتخلى عني.. إنه رجل كباقي الرجال وأنا أعرف أنه لا أمان لهم.
قالت لها شقيقتها مندهشة: كيف تفكرين؟ ومن أين تأتين بهذه الأفكار وهذه القناعات؟.. يا عزيزتي.. الرجل عندما يحب يرى وجه حبيبته في وجوه جميع النساء.. ويرى جمالها في جمال جميع النساء.. تكونين له الشمس والقمر والماء والهواء والدواء.. حتى لو جاءت من هي أجمل منكِ.. فلن تؤثر على مشاعره طالما يحبك بصدق لأنك تسكنين قلبه وروحه.. هل تعتقدين أنه من السهولة بمكان أن تحظي بقلب رجل ؟.. ربما يسمح لك بأخذ كل شيء منه.. إلا قلبه.. فقد تموتين ألف مرة قبل أن يسمح لكِ باختراق حصنه المنيع.. صدقيني.. القلب ليس مفتاحه الامتلاك والغيرة المجنونة والتصرفات الرعناء والتحكم والسيطرة الغبية.
قاطعتها قائلة: أنت تعيشين في عالم المثاليات والأوهام.. لا أمان لأي رجل.. يجب أن أغلق عليه جميع الأبواب عنوة.. أمنعه من التنفس ومن الحركة ومن كل شيء يثير غيرتي وجنوني.. قلب الرجل إن حصلت عليه فيجب أن أمسكه بيديِ وأقيده ولا أسمح له بالتحرك دون استئذان.. أعلم جيداً أنه ليس من السهولة أن أحظى بقلبه.. ولكن إن حصلت عليه فلن أسمح بالتفريط به أبداً.. وسأحارب بقوة لأبقيه لي.. لي وحدي مهما كلفني الأمر.
قالت: أجل.. لا تفرطي به.. ولكن ليس بأسلوبك الأحمق.. قلب الرجل لا يعرف إلا الحرية.. ولذلك أغلقي عليه جميع الأبواب ومن ثم امنحيه المفتاح ودعيه يكتشف أنكِ تثقين به.
قالت بغضب : أنت تهذين.. أمنحه مفتاح حريته و أثق به.. حينها أصنع نهايتي بيدي إن فعلت ذلك.. بل أنا أغلق عليه جميع الأبواب وأجلس حارساً وسجاناً على باب قلبه.. والويل له إن ارتكب أي حماقات.
فقالت شقيقتها بمرح: ولكن احذري.. هناك نوافذ صغيرة داخل غرفة السجن.. لن تستطيعي السيطرة عليها.. هذه النوافذ وعلى الرغم من صِغر حجمها إلا أنها قادرة على إيصال أية رائحة عطر.. أو رمشة عين.. أو سحر كلام.. أو غنج امرأة عابرة بالقرب منه.
فقالت بحنق وغضب: سأغلق عليه تلك النوافذ بإحكام وأحجب عنه أوكسجين الحياة.. أو.. أتعلمين.. أعتقد أن هذا هو الحل الأفضلقالت مستفهمة: ما هو؟
قالت: سأفقأ له كلتا العينين.
قالت ضاحكة: حينها لن يتمكن من رؤية جمالك أيتها الغبية.. وتكونين كأية امرأة أخرى.. ستحرمينه من رؤية حسنك وبهائك وجمالك.
قالت متذمرة: أوف.. أوف.. لقد تعبت من الحديث معكِ.. أنتِ دوماً تحبين فلسفة الأمور.. ماذا أفعل لأحافظ على قلبه؟
قالت : امنحي قلبه الحرية.. وراقبيه بصمت دون ضجيج.. كما تفعل الأم مع طفلها.. وتابعي تحركاته.. ولا بأس من افتعال الخلافات بين الحين والآخر.. ولكن عندما تودين معاتبته عاتبيه برقة.. بحنان.. بحب يشع من عينيكِ.. وليس بهجوم عنيف وعدوانية وسخط.. فإن ارتكب حماقة ما.. سيأتي إليكٍ راكضاً فلن يجد حضناً أكثر دفئاً من حضنك.. حينها لا يملك أن يكون إلا لكِ لأنه يعرف أن حبكِ وحنانكِ ورقتكِ هم أصل جمالك.. هل رأيتِ طفلاً تخلى يوماً عن أمه؟.