الشيخ محمد علي ابن الشيخ يعقوب أديب خطيب وباحث كبير علم من أعلام الادب وسند المنبر الحسيني له اليد الطولى في توجيه الناس وارشادهم ولا زالت مواعظه حديثا معطرا ، لا يكاد يمله جليسه فمن اشهى الاحاديث حديثه وما جلس الا وتجمع الناس حوله من الادباء وأهل الذوق الادبي يتوقعون منه نوادره وملحه وأحاديثه الشهية .

ولد في النجف الاشرف في شهر رمضان 1313 هـ ونشأ برعاية والده الخطيب التقي والواعظ الشهير وهاجر والده الى الحلة الفيحاء فنشأ المترجم له في مستهل صباه ومطلع شبابه في مدينة الادب والشعر وكان عندما يختار له والده القصيدة ويحفظها و ينشدها في الجامع الذي يصلي فيه الامام العلامة السيد محمد القزويني بمحضر من المصلين هناك وبعد اداء الفريضة وكان السيد يوليه عناية ورعاية وتشجيع على الحفظ وفي سنة 1329 انتقل والده الى رحمة ربه فانقطع حينذاك الى ملازمة العلامة السيد محمد القزويني فغمره بالطافه وأفاض عليه من علمه وأدبه الجم وأخلاقه العالية ـ وكان دائما يشكر هذا الفضل كأنه يقول :

افـضل استاذي عـلى فضل والدي وان نالني من والدي الفضل والشرف
فذاك مربي الروح ، والورح جوهر وهذا مربي الجسم والجسم من صدف
اليعقوبي في كل ما يقول من نظم ونثر سهل ممتنع لا تكاد تفوته مناسبة من المناسبات الا ونظم فيها البيتين والثلاث أو القطعة المصكوكة كسبيكة الذهب تتداولها العقول والافواه معجبة بها مستلذة بترديدها مع أنه قد نظمها بلا تكلف انما ارسلها ارسالا فاسمعه حين يقول :

قالوا الـوزارة شكـلت برئاسة العمري أرشد
فاستقبل الشعب الوزارة بالصلاة على محـمد
وحين يداعب الشيخ السماوي يوم أحيل على التقاعد في عهد السيد محمد الصدر رئيس الوزراء .

ادب الطف ـ الجزء العاشر 195

قل للسـماوي الـذي فلك القضاء بـه يدور
الناس تضربها الذيول وأنت تضربك الصدور
بالاضافة الى الخدمة المنبرية والتبليغ باللسان فقد أضاف اليها الخدمة القلمية والخدمة بالبيان فقد ألف كثيرا وخلف آثارا لها قيمتها ومنها بل في طليعتها مجموعة اسماها بـ (الذخائر) وهو ديوان شعر خاص يحتوي على حوالي خمسين قصيدة ومقطوعة نظمها في اهل البيت مدحا ورثاءا وقد طبعت سنة 1369 هـ وأوصى رحمه الله أن يكون معه في قبره .

2 ـ البابليات وهو ثلاثة أجزاء ويقع الجزء الثالث منه في قسمين وقد طبع سنة 1372 هـ .

3 ـ المقصورة العلية ، وهي قصيدة تناهز (450) بيتا في سيرة الامام علي بن أبي طالب عليه السلام وقد طبعت 1344 هـ .

4 ـ عنوان المصائب في مقتل الامام علي بن أبي طالب سنة 1347 هـ وقبل عام واحد زرت الخطيب الشيخ موسى اليعقوبي أكبر أنجال المترجم له فاطلعني ـ متفضلا ـ على مخطوطات والده المغفور له وهي ثروة علمية وأدبية يعتز بها العلماء والأدباء والباحثون .

5 ـ اما ديوانه الذي يحتوي على ما نظمه من الشعر خلال مدة تتجاوز الاربعين عاما وقد طبع في سنة 1376 هـ وهو طافح بالوطنيات والوجدانيات والوثائق التاريخية وفيه عشر قصائد خاصة في فلسطين ، القي قسم منها في احتفالات جمعية الرابطة الادبية التي أقامتها في هذا الصدد والقسم الباقي القي في مناسبات مختلفة ثم لا تنس جهاده في المغرب العربي ففي الديوان ما يقارب عشر قصائد في هذا الموضوع وحسبك أن تقرأ قصيدته بعنوان (جهاد المغرب) اذا أضفنا هذا الى جهاده أكثر من أربعين سنة بقلمه ولسانه ومواقفه يصرخ طالبا استقلال العراق فعندما اصطدم العراق بالجيش الانكليزي عام 1941 في الحرب العالمية الثانية صرخ قائلا :

ادب الطف ـ الجزء العاشر 196

بالشعب قد عاثت يد عادية فجددوها نهضة ثانية

وهناك دواوين حققها بعد أن جمعها ودققها امثال ديوان الملا حسن : القيم ، والشيخ صالح الكواز ، وديوان الشيخ عباس الملا علي ، وديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر (والد المترجم له) وديوان الشيخ عباس شكر وديوان الشيخ محمد حسن أبو المحاسن فهذه الآثار كان سبب نشرها وظهورها الى متناول الايدي هو شيخنا الراحل ولولا جهوده ومساعيه في طبعها وتحقيقها لكانت مندثرة كما اندثر من تراثنا الكثير .

ويعجبني من الشيخ اليعقوبي جانب الولاء لاهل البيت عليهم السلام ، فقد كان من وصيته ان يكون رفيقه في القبر ديوان (الذخائر) اذ هو الذي ينفعه يوم لا ينفعه مال ولا بنون وقد صدر ذخائر بالبيتين التاليين :

سرائـر ود للنـبي ورهطه بقلبي ستبدو يوم تبلى السرائر
وعندي مما قلت فيهم ذخائر ستنفعني في يوم تفنى الذخائر
وقوله في قصيدة له :
ما لي سوى الهادي النبي وآله حصن اليه لدى الشدائد التجي
أنا مرتج لهـم وان نزل الرجا بسواهم يـنزل ببـاب مرتج
ودخلت عليه مرة أعوده وكان يشكو ألما حادا من عينه ورأسه ولا أنسى أنه كان يوم 27 من رجب يوم توافدت الوفود لزيارة مخصوصة لامير المؤمنين علي بن أبي طالب فأنشدني هو :

أبا حسن عذرا اذا كنت لم أطق زيارة مثـواك الكريم مـع الناس
فلولا أذى عيني ورأسي لساقني اليك الولا سعيا على العين والراس
وقال :
غرسـت بقـلبي حـب آل محمد فلم أجن غير الفوز من ذلك الغرس
ومن حاد عنهم واقتفى اثر غيرهم فقد باع منه الحـظ بالثـمن البخس
ادب الطف ـ الجزء العاشر 197

في فجر يوم الاحد 21 جمادي الثانية 1385 هـ الموافق 17 ـ 10 ـ 1965 سكت هذا اللسان وانطفأ هذا الضوء فقد ودع الحياة عن 73 عاما فنعته الجمعيات في النجف وفي مقدمتها جميعة الراطة الادبية اذ فقدت عميدها وأقيمت له الفواتح في كثير من البلدان العراقية وغيرها .