~ المتسول الغني ~
الجزء الأول
في ذاك الزحام ، قرر أن يجلس ، بدأ يحرك عيناه عله يجد ضالته ، يدا تمتد لمساعدته ، ولكن .. سربا من الطيور أعاق نظراته ، أطال النظر لها ، كانت تأكل بنهم كل ما وقع على الأرض ، قرر أن يقترب منها و يأكل ما تأكله .
كان يقترب و هو مغمض العينين ، يتمتم بكلمات مع الصفير ، وكأنه يقول لتلك الطيور " لا تخافي .. أنا لا أريد غير تجربة ما تأكلين "
كان يحمل من الحب ، والصدق ما تستطيع أن تستشعره الطيور ، لذا سمحت له بالأقتراب ، هم برفع يده ليأخذ قبضة من بقايا الطعام والتراب ، ولكنه قرر أن يأكل كما تأكل هي ، ثنى ركبتيه ، وبدأ بإخراج لسانه كي يلتقط الطعام ، كان مذاقه سيء جدا . لكنه قرر ان يبتلعه ، أقنفظ نفسه بإن ما يأكله الآن .. هو طعام الملوك .
أحس بإن أحدا ما ينظر له و هو على تلك الحالة ، رفع رأسه ، رأى الأطفال يتضاحكون على حاله ، خجل من فعله . فتراجع الى حيث كان يجلس ، رفع لثام وجهه أكثر ، يخفي خجله ، يخفي ضحكاته الممزوجة بالدموع .
ولكنه بدأ يفكر ...
هل حقا يمتلك الإنسان تلك الغريزة الحيوانية ؟ ما الذي دفعني الى فعل هذا ؟ أ هو العوز والجوع حقا ؟ أم هو قناعتي بما اكلت ؟
أشتبكت الأفكار مع بعضها في رأسه ، ولكن لم يكن يقوى على البوح بإسئلته ، أو حتى أن يتحدث مع أي شخص بما جرى ، فقد وصف للتو ب " المتسول المجنون " .. من سيسمع مجنونا إذا !!
وضع يده على خده ، وعاد كما كان ، يسرح بالنظر للمارة ، عل أحدهم ينتبه له ، ولكن .. لا جدوى من النظر ، فلا أحد يهتم بالنظر الى المكان المظلم ، القذر ، التي كانت تكثر فيه الجرذان والنفايات.
كان مستاءا من جلوسه ، والسكون الذي كان يخيم على نبضات قلبه ، قرر أن يخوض التجربة ، وأن يقوم بتجريب الزحام ، أن يصرخ وسط الضجة ، و يرمي بإبرة قرب أقدام المارة و يسمع صوتها لوحده .
نهض ليفعل ما أشتهاه قلبه ، وعند تحريك قدمه في الخطوة الأولى _ التي يخطوها بعيدا عن مكانه منذ سنين _ سمع صوت بكاء أحدهم ، كان يحب أن يستشعر كل شيء في داخل قلبه ، دون أن يستعين بالنظر لذا أغمض عينيه ، وبدأ يتنفس ببطئ ، حرك رأسه بهدوء ، ثم فتح عيناه ، ليرى شابا يبكي .
كان يتحرك نحوه بخطوات ثقيلة ، كانت قدماه تؤلمانه ، ولكنه أراد الوصول ، فوصل .. جلس بهدوء قرب الشاب و همس في أذنه .
" _ ما يبكيك اليوم سيكون مجرد ذكرى غدا ، إن كان حبا فليرح الله قلبك ، لكن تذكر ... ينتزع الله منك شيئا كي يعطيك الأفضل و ذلك يعتمد على صلاحك .. وإن كان مشكلة فلن تحل بالبكاء .. إنهض وكن شجاعا .. وأخبر الناس بمصداقية قولك ، وإن كنت قد فقدت عزيزا ، فهو لم يمت بين أنفاسك ..
الحل هو ان تقترب من ربك أكثر"
ربت على كتف الشاب و هم بالوقوف ، ولكن الشاب أمسك يده ..
"_ ما الذي تقصده بالتقرب من الله ؟ "
_ سل نفسك .. أن كنت تعرف من الله .. إن أجابت ، فقد ملكت الكون كله .
ثم ترك الشاب و هو يسمع صيحاته ، كان يريد منه إجابة أوضح ، كان يريد منه أن يعرف بنفسه ، كان يريد و يريد ... لكنه علم بإن هذا الغريب لن يجيب على أسئلته ، كفكف دموعه وأبتسم و هذا ماكان يريده المتسول .
عاد الى حيث مكان جلوسه ، أمسك جرذا وقال .
" _ لما لا يمكنني أن أفهم ما تقول أنت ، هل حقا أمتلك ذنوبا قد صمت أذناي عن تسبيحك !!
حسنا .. أرني عيناك
لما أنت غاضب
أووه .. لقد نسيت ، أنني أمسكك بقوة . . .
حسنا .. ولكنني أمسكك هكذا لأنني أحبك .
تنهد ثم أكمل
هل حقا أحبك !! إن كنت كذلك فلما أؤلمك إذا .. لما أجعلك متعلقا بي !!
حسنا .. حسنا .. ولأنني أحبك .. سأتركك .. كن بخير لأجلي .
قبل الجرذ .. وتركه .
أعاد النظر الى الشارع ، ثم أنتبه أن الغروب سيبدأ بعد ثوان ، رفع عيناه الى حيث السماء ، مستمتعا كالعادة بما يراه .
تمدد .. ثم بدأ بالسعال ، البرد القارس كان يمنعه من التنفس ، جلس القرفصاء ، وبدأ يتخيل المدفئة ، وتلك المكتبة العظيمة ، التي لا تحوي سوى كتبه ، سوى أحلامه .. وأمنياته وكوب قهوة ساخن ، وذاك الصوت الفاتن ، الذي كان يشعره بالنشوة ، بالأنتعاش .
كان يحلم بأن تمسك يده تلك الفتاة ، ليشم عطرها ، وتمتلأ أنفاسه منه .
تناسى البرد ، وقطرات الماء التي كانت تسقط على وجهه ، تمدد مرة أخرى ، وغفى وسط أحلامه.
بقلمي ...
08-01-2015