وهي جان دارك.. ولدت عام 1412 م بمدينة دومريمي شمال شرق فرنسا. ونشأت في بلدة صغيره على مقربة من حدود مقاطعتي شمبانيا والورين. ويقال انها عندما كانت في السادسة، تعسرت ولادة جارة لها كانت تحبها. فذهبت إليها وأخذت تدعو الله لإنقاذها. ونجت وجنينها، فانتشر في بلدتها أنها طفلة "مبروكة"، وتوافد عليها الجيران للتبرك بها. ويقال أيضا وهذا هو المهم انها عندما بلغت السادسة عشرة كانت تسمع أصوات قديسين تحثها على تخليص فرنسا من براثن الإنجليز. وأخبرت زوج خالتها عن الأصوات التي تسمعها وعن إصرارها على تحرير فرنسا، فصدقها.

وساعدها هو وشابان في التحدث إلى حاكم فوكولور الذي قدرها، وسهل لها مقابلة الملك شارل السابع. وفي الوقت نفسه مد أهل بلدتها لها العون باعتبارها فتاة مبروكة واشتروا لها حصانا وسيفا ورمحا وزيا حربيا وقصت شعرها، وارتدت زي رجل.

واستطاعت أن تقابل ملك فرنسا شارل السابع في قلعة دوفين بمدينة شينون في فبراير 1429، وكان في صحبتها ستة من الجنود. ولم يصدق الملك في بادئ الأمر ما تقوله وأمر بأن يحق معها القساوسة. وفي النهاية أقنعته بأنها وهبت حياتها لمهمة عسكرية مقدسة وهي تحرير مدينة أورليانز الفرنسية من الاحتلال الإنجليزي الذي حاصرها في أكتوبر 1428.

وجهز لها الملك قوة عسكرية تحت إمرتها مستعينة بالفارسين "جان ميتس" و"دي بولانجيه" اللذين عملا كمستشارين لها. ويقال ان عددا من الشبان تطوعوا إلى جانبها حتى تجاوز جيشها العشرة آلاف مقاتل. وبالفعل استطاعت أن ترفع الحصار عن مدينة أورليانز في أواخر ابريل 1429. ولقبت بعد ذلك باسم "عذراء أورليانز".

وبفضلها، توج شارل السابع ملكا على فرنسا ثم زحفت جان دارك نحو باريس في سبتمبر من نفس العام واحتلت مدينة سان دينيس. في ذلك الوقت، وكرمها الملك شارل برفعها هي وأسرتها إلى مرتبة النبلاء. ويقال انه عندما أصبحت باريس على وشك السقوط، طالبها الملك بأن تبقى بجواره بعد أن أبلت بلاء حسنا. ولكنها خرجت من جديد لتقاتل بشجاعة وتحق انتصارات بقواتها التي كانت قد بلغت حينذاك 400 جندي فقط.

ثم خاضت أمام البرجاندين عملاء الإنجليز الذين ينتسبون إلى دوق بورجوني معركة شرسة في مدينة كومبيان انتهت بأسرها في 23 مايو 1430. وباعها الكونت دي لكسمبورغ للإنجليز. وفي مارس 1430، بدأت فصول محاكمتها بتهمة الهرطقة. وقبيل صدور الحكم بإعدامها حرقاً، طلبوا منها أن تعلن التوبة وتعترف بأخطائها، لكنها تمسكت بموقفها. وصدر الحكم الكنسي بإحراقها حية في الرابع والعشرين من مايو وكانت في التاسعة عشرة من عمرها، وتم تنفيذه في الثلاثين من نفس الشهر عام 1431، وألقي رمادها في نهر السين.

ويقال انه في يوم إعدامها حرقاً، انهارت باكية وهي تسمع موعظة من رجال الكنيسة، وطلبت منهم الدعاء لها. وقيل ان بعض الذين أصدروا الحكم عليها بكوا تأثرا من الحكم القاسي. لم يسدل الستار عن جان دارك بعد رحيلها. فقد رد إليها اعتبارها. فبعد قرابة عشرين عاما من إحراقها، أعيدت محاكمتها في أكثر من محكمة وبرأت من التهم التي وجهت إليها.

وأشهر محاكمة، كانت في السابع من يوليو عام 1456 حيث أصدرت كنيسة روما حكما يقضي براءتها من التهم المنسوبة إليها. تلى الكاهن الحكم أمام حشد من الناس. أعلن فيه أن محاكمة جان دارك التي انتهت بإحراقها، باطلة وان الحكم الصادر عنها هو أيضاً باطل، وأن جميع الاتهامات بالشعوذة والهرطقة الموجهة إليها باطلة. وفي بدايات القرن العشرين وبعد أكثر من 450 عاما جرى تقديرها كمسيحية، إذ تم تطويبها.

ابو النون