ظل حلم تحديد جنس الجنين يراود أذهان كثير من البشر على مر التاريخ لأسباب متعددة، وكان التفضيل يميل غالبا تجاه الذكور إلا فيما ندر.وما بين العصبية القبلية، والتفضيل المجتمعي للذكور، أو لنزعة نفسية وحلم بالخلود من خلال الاحتفاظ بالاسم عبر الأجيال، أو الرغبة في الحصول على أبناء من الجنسين لمن لديهم أبناء من جنس واحد، تراوحت الأنماط البشرية التي تسعى للحصول على مولود محدد الجنس.
في ثقافتنا الشرقية، ظلت فكرة أن المرأة مسؤولة - بشكل أو آخر - عن نوع جنينها مسيطرة على عقليات الرجال حتى منتصف القرن الماضي، وربما بعدها في المجتمعات الريفية، حتى أظهر العلم الحديث أن جنس الجنين يعتمد بالأساس على الكروموسوم الذي يحتويه الحيوان المنوي للرجل، وأن الأنثى ليس لها دور في هذه العملية.
وعرف آنذاك أن الحيوان المنوي والبويضة يحمل كلاهما نصف عدد الكروموسومات البشرية (عددها 46)، إضافة إلى الكروموسوم المسؤول عن الجنس، الذي قد يكون إما X أو Y في الحيوان المنوي، ويكون دائما X في البويضات.
وبالتقاء الحيوان المنوي والبويضة تتحد الكروموسومات الموجودة في كليهما لتكوين نواة الجنين. وعند اتحاد الكروموسومان XX يصبح الجنين أنثى، وفي حالة XY يكون ذكرا.
وظل العلماء يفحصون ويمحصون الأمر، ويبحثون عن أسباب قد تدفع حيوانا منويا من نوع معين لتلقيح البويضة قبل غيره، وعرفوا بالتجربة في بداية الثمانينات من القرن الماضي أن ثمة اختلافات كثيرة بين نوعي الحيوانات المنوية.
أهم هذه الاختلافات هو نشاطها وفترة عمرها، فالحيوان المنوي الحامل لصفة الذكر Y نشط وسريع وقصير العمر، فيما يشبه عداء السباقات القصيرة، فهو يجتاز الجهاز التناسلي للمرأة في وقت قصير نسبيا (نحو 6 ساعات)، ولكنه يموت في ظرف يوم أو أكثر قليلا.
أما الحيوان المنوي الحامل لصفة الأنثى X فهو على العكس، بطيء وخمول وطويل العمر، فيما يشبه عداء سباقات الماراثون، فهو يحتاج إلى نحو 12 ساعة لاجتياز المسافة المطلوبة، ولكنه قد يعمر لمدة يومين أو ثلاثة.
فرص إنجاب الذكور
وعليه، رجح العلماء أن العلاقة الزوجية في يوم التبويض ذاته يزيد من فرص إنجاب الذكور، أما قبله بيومين فإنه يرجح فرص إنجاب الإناث، نظرا إلى وفاة الحيوان المنوي Y قبل خروج البويضة.
وتفشت الصرعة (الموضة) ما بين العلماء ومن ينشدون الحصول على نوع مختار من الأجنة، وأصبح الأطباء ينصحون «بمواقيت» محددة سلفا للعلاقة الزوجية الخاصة من أجل إنجاح مساعي الراغبين في تحديد جنس المولود.
وبعد سنوات عدة اكتشف الجميع أن هناك أمورا أخرى خافية تفشل «الخطة»، فبدأوا دورة جديدة للبحث.
وفي تسعينات القرن الماضي، بدأ العلماء في تغيير بعض المفاهيم المترسخة في وجدان الطب منذ بداية القرن، حيث إن المراجع الطبية الصادرة قبل هذا التاريخ كانت تصر على أن عدد الحيوانات المنوية الطبيعي يجب أن يفوق 60 مليونا في كل مليمتر مكعب، ولكن المراجع الأحدث تراجعت بالرقم ليصبح ما فوق 20 مليونا فقط، بل أشارت بعض الدراسات الصادرة مؤخرا إلى إمكان الإخصاب الطبيعي في حالات يقل فيها الرقم كثيرا عن ذلك، مع الوضع في الاعتبار أن جودة الحيوانات المنوية، من حيث النشاط الحركي وقلة نسبة الصور المشوهة، هي العناصر الأهم على الإطلاق.
دور المرأة
كما اكتشف العلماء أن للمرأة أيضا دورا في تحديد نوع الجنين، فدرجة حمضية (ph) المهبل ودرجة لزوجة إفرازات عنق الرحم قد تكون في صالح أحد نوعي الحيوانات المنوية أكثر من الآخر.
فاللزوجة العالية جدا قد تستهلك طاقة الحيوان المنوي Y قبل أن يصل إلى مبتغاه، كما أن الحموضة الزائدة قد تتسبب في مقتله.
إلى ذلك، فإن إفراز بعض السيدات لنوع من الأجسام المضادة للحيوانات المنوية، قد يؤدي إلى نوع من العقم، أو إلى مقتل الحيوانات المنوية ذات الصفة الذكرية، نظرا إلى كونها أكثر تأثرا بالعوامل الخارجية
علماء التغذية دخلوا على خط البحث أيضا بتحديد أنواع من الأطعمة تغير من درجة حمضية المهبل، وتزيد من نشاط الحيوانات المنوية.
وتمكن العلم الحديث فعليا من تحديد نوع الجنين بدقة بالغة في تقنية الإخصاب المجهري، حيث يمكن اختيار حيوان منوي يحمل صفات جنسية معينة - حسب الطلب - لحقنه داخل جدار البويضة قبيل إعادة زرعها داخل الرحم، على الرغم من اعتراض جهات عالمية كثيرة لأسباب مختلفة، سواء دينية أو اجتماعية أو طبية.
ووصل الأمر ببعض الآباء المهووسين بفكرة نوع الجنين، بالاستعانة بأطباء بلا ضمائر ممن لا تمثل لديهم القيم العليا شيئا يذكر، إلى إجراء عمليات إجهاض غير مبررة طبيا فور معرفة أن نوع الجنين مخالف لما يرغبون عن طريق الموجات الصوتية أو عينات مخبرية يتم سحبها من السائل الأمينيوسي المحيط بالجنين في الأسابيع الأولى من الحمل.
وإذ تظل الرغبة الكامنة في إنجاب جنس معين من الأبناء مسيطرة ومستحوذة على عقلية الكثير من البشر، فليكن ذلك عبر طرق إنسانية تزيد من فرص الحصول على ذلك الجنس.
للجميع التحية