أسطورة شياطين الشعراء
الشعر نشأ من المعتقدات الاسطورية بأن لكل شاعر جن خفي هو سر ابداعه
ثم بدأ أمره ليتطور بعد ذلك إلى فن أدبي له ميزته اللغوية والجمالية .
بل بقيت أثار ولمسات الاسطورة والخيال حتى بعد تبلور فن الشعر بصورة القصيدة المعروفة في العصر الجاهلي كما نلحظ ذلك في فكرة وجود نوع من الوحي الخفي لبعض الاشخاص ينطقوه شعرا ، كالجن مثلا .
في الجاهلية قالوا أن هناك مكانا هو موطن للجن اسمه وادي عبقر ، قال ابن الأَثير : عَبْقَر قرية تسكنها الجن فيما زعموا ، فكلَّما رأَوا - أي ...العرب - شَيئاً فائقاً غريباً مما يصعب عملُه ويَدِقُّ أَو شيئاً عظيماً في نفسه نسبوه إِليها فقالوا : عَبْقَرِيٌّ .
ومنهُ قول لبيد كهولٌ وشبَّانٌ كجِنَّة عَبْقَرٍ .
أعتقدت العرب آنذاك أن لكل شاعر قرين ، ونسبوا الشعر الجيد إلى جني يطلقون عليه الهوبر وينسبون الشعر الردئ إلى جني يسمونه الهوجل وهؤلاء هم من سكان وادي عبقر .وقال الجاحظ نقلا عن العرب في كتابه الحيوان :
يزعمون أن كلاب الجن هم الشعراء .والاعتقاد بأن الشاعر شخص إستثنائي محاط بقوة خفية جعل العرب تقيم احتفالات واسعة إذا نبغ لها شاعر ، وإذا كانت العرب تعتقد ذلك قديما فإننا نرى بعض الغربيين كشيلي وغيره يرى ما يشبه ذلك معتقدين أن الشاعر شخصية محاطة بقوة خفية إذ يقول " أن الشعر ليس قوة خاضعة لأحكام الإرادة، وإنما لقوة خفية " التصور المنهجي ومستويات الإدراك في العمل الأدبي والشعري ص 14 تأليف أحمد الطريسي .والمعتقدات اليونانية القديمة كانت تتوسل إلى ربات الفنون لتعينهم على نظم الشعر وساد أعتقاد بينهم أن الشعراء أولاد الآلهة .
إن هذه التصورات الاسطورية التي بقيت بعد تبلور الشعر من الممكن أت تضئ لنا - بحسب آراء الباحثين - بدايات نشوء الشعر في الطقوس الاسطورية والمعتقدات الدينية حيث وجدت التراتيل الأولى بشكل موزون ومقفى .ومما يروى من الاساطير المرتبطة بقصص الجنية أن أحد المسافرين مر ببحر ووجد امرأتان تغترفان من ماءه وحين سألهن عن سبب اغترافهن للماء قالتا له أن فلانا يرتجل قصيدة في موقف معين ونحن نغترف له الكلمات من هذا البحر المتلاطم الأمواج، وفور عودة ذلك المسافر حدد اليوم والوقت وتم تأكيد صحة الحدث من ان المعني كان يقول قصيدة مرتجلة في مناسبة من المناسبات.لذلك لن نعجب اليوم ان نرى الشعراء يفخرون بجنيتهم وملهمتهم في قول الشعر فليس الامر محل خجل ابدا بل على العكس.إن مثل هذه الممارسات الأسطورية والسحرية والدينية ربما تمثل بدايات نشوء الشعر الذي تطور لاحقا إلى اشكاله الفنية المعروفة
مونى كليوباترا