طقوس المولد النبوي قديماً تظل ذكري مولد الرسول صلي الله عليه وسلم درة الاحتفالات الدينية علي الإطلاق فجميع أهل مصر يحتفون بها احتفاء كبيرا بإحياء الشعائر الإسلامية وتناول الحلوي وكأن هناك علاقة وثيقة في نظر المصريين بين ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم والطعم الحلو وليس هذا فحسب بل إنهم صنعوا لتلك المناسبة عروسا ليختلط الوقار المتمثل في ذكري ميلاد الرسول صلي الله عليه وسلم بطعم السكر في الحلوي مع أجواء الفرح بالعروس باعتباره أحلي الاحتفالات علي الإطلاق وتاج المشاعر الدينية.
وقد حاول الحكام علي تعاقبهم واختلاف أجناسهم استغلال تلك الخصوصية عند المصريين وتقربوا إليهم وحاولوا استمالتهم بالاهتمام بكل الاحتفالات الدينية وعلي رأسها المولد النبوي الشريف حتي أنهم غالوا في مظاهر تلك الاحتفالات وصرفوا عليها ببذخ كبير بدءا من الخلفاء الفاطميين الذين لعبوا علي المشاعر الدينية باقتدار وتمكنوا من بسط نفوذهم إلي بلاد كثيرة من العالم الإسلامي.
وعن كيفية ظهور حلوي المولد يقول الدكتور محمد البيلي أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة بدأ ظهورها في العصر الفاطمي حيث كان الفاطميون ينتهزون المناسبات الدينية والعامة لاستمالة الناس فكانوا يقومون بإعداد الولائم أثناء المولد النبوي ويتضمن ذلك صنع الحلوي وتوزيعها علي الحاضرين.
ويقال إن عروسة المولد ظهرت خلال عهد الحاكم بأمر الله الذي كان يحب إحدي زوجاته فأمر بخروجها معه يوم المولد النبوي فظهرت في الموكب بردائها الأبيض وعلي رأسها تاج الياسمين فقام صناع الحلوي برسم الأميرة في قالب حلوي بينما الآخرون يرسمون الحاكم بأمر الله وهو يمتطي حصانه وصنعوه من الحلوي.
كما ارتبطت عروس المولد بفلسفة خاصة عند المصريين الذين كانوا يتصدقون بإعطاء الحلوي للمساكين في ذكري المولد النبوي.
ويقول إن الحاكم الفاطميين كان يشجعون الشباب علي عقد قرانهم يوم المولد النبوي ولذلك أبدع صناع الحلوي في تشكيل عرائس المولد وتغطيتها بأزياء تعكس روح هذا العصر.
ويذكر المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية علي مصر أن نابليون بونابرت اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة 1213ه 1798م من خلال إرسال نفقات الاحتفالات وقدرها 300 ريال فرنسي إلي منزل الشيخ البكري نقيب الأشراف في مصر بحي الأزبكية وأرسلت أيضا إليه الطبول الضخمة والقناديل وفي الليل أقيمت الألعاب النارية احتفالا بالمولد النبوي وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلي الحملة الفرنسية وقوادها.
ميراث مصري
ويري البعض أن الاهتمام الشديد لدي المصريين بتلك الأعياد الدينية ما هو إلا ميراث مصري قديم يضرب بجذوره في عمق التاريخ المصري الذي شهد اهتماما بإقامة طقوس وتقاليد دقيقة في أعياد جلوس الملك علي العرش وعيد ميلاد وعيد الحصاد وعيد وفاء النيل ومن ثم ورث المصريون من أجدادهم ذلك الاهتمام بطقوس الاحتفالات الدينية فيما بعد.
وتوارث المصريون عبر الزمن الاحتفال بالمولد النبوي حتي عصرنا الحالي ولم تتغير مظاهر الاحتفال كثيرا عن العقود الماضية خاصة في الريف والأحياء الشعبية في المدن الكبري.
ومع بداية شهر ربيع أول من كل عام تقام سرادقات كبيرة حول المساجد الكبري والميادين في جميع مدن مصر خاصة في القاهرة حيث مساجد أولياء الله والصالحين كمسجد الإمام الحسين والسيدة زينب رضي الله عنها تضم تلك الشوادر أو السرادقات زوار المولد من مختلف قري مصر والباعة الجائلين بجميع فئاتهم وألعاب التصويب وبائعي الحلوي والأطعمة وسيركا بدائيا يضم بعض الألعاب البهلوانية وركنا للمنشدين والمداحين وهم فئة من المنشدين تخصصت في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم.
وتعد حلوي المولد من المظاهر التي ينفرد بها المولد النبوي الشريف في مصر حيث تنتشر في جميع محال الحلوي شوادر تعرض فيها ألوان عدة من حلوي المولد علي رأسها السمسمية والحمصية والجوزية والبسيمة والفولية والملبن المحشو بالمكسرات.
كما تصنع من الحلوي بعض لعب الأطفال التي تؤكل بعد انتهاء يوم المولد وهي عروس المولد للبنات والحصان للأولاد.
وقد ارتبطت ذكري المولد في وجدان جميع الأطفال المصريين علي مر العصور بهذه العرائس واللعب.
ويذكر المؤرخون أن الفاطميين هم أول من بدأ في صنع العروس من الحلوي في المولد.
وقد وصفها أحد الرحالة الإنجليز وهو مارك جرش الذي عاصر المولد النبوي في مصر بأنها عروس متألقة الألوان توضع في صفوف متراصة وترتدي ييابا شفافة كأنها عروس حقيقية.
وتؤكد الشواهد التاريخية أن عروس المولد مصرية خالصة ويحاول بعض المؤرخين الربط بينها وبين تقليد عروس النيل في عهد المصريين القدماء.
مونى كليوباترا