بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


عن الإمام محمد الجواد عليه السلام: (كيف يضيع مَنِ الله كافلُه؟ وكيف ينجو منِ الله طالبُه؟ ومَنِ انقطع لله وَكَّلَه اللهُ إليه. ومن عمل على غير علم كان ما يُفسد أكثر مما يُصلح، ومَن أطاع هواه أعطى عدوّه مُناه).
ضغوطات الحياة:
ضغوطات الحياة كثيرة، وأحياناً تتراكم في لحظةٍ ما، فيشعر الإنسان بالتعب والهم وسوداوية الحياة.. حتى أن البعض يتمنى لو أنه يموت في تلك اللحظة، لأنه يشعر بالضعف، ولأنه لا يرى أمامه بارقة أمل للخلاص.
عند بعض الأمم يكون الانتحار ـ في تصورهم ـ سبيلَ الخلاص من ذلك.. خاصة إذا كان المنتحِر ممن يؤمن بتناسخ الأرواح، وأنه سيعود مجدداً بعد حين في صورة أخرى، وظروف لعلها تكون أفضل!

الانتحار:
ولكننا كمسلمين نؤمن بأن لا تناسخ في الأرواح.. وأن هذه الحياة الدنيا ليست هي نهاية المطاف، بل جسر عبور لحياة خالدة: (وَمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت:64].. وأن الإنسان محاسَبٌ على ما قدَّمت يداه في الحياة الدنيا.. وأن الله قد حرّم على الإنسان أن ينتحر.. وأن الله تعالى بصير بعباده وبهم رؤوف رحيم، وأن الأمور مهما ضاقت ستنفرج، وعلى الإنسان أن يصبر: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح:5-6].
تهويل المشكلة:
نعم، مشكلة البعض أنهم يولون اهتماماً كبيراً لأمور مادية معينة من قبيل المنصب، أو الفوز في الانتخابات، أو الارتفاع بالمستوى المادي الذي يشعر بالتنافس فيه مع أقرانه.. أو الاقتران بفتاةٍ ما.. وأمثال ذلك.
وكأن تحقق هذا الأمر بالنسبة إليهم هو الخير كل الخير، أو هو نهاية المطاف، وآخر الأمنيات! فتتضخم عندهم المشكلة عندما يفقدون ذلك الشئ، أو يتأخر تحققه، أو لا يتحقق نهائياً.
وعلى هذه الفئة أن تعيد تقييم الأمور أوّلاً، كي تستطيع أن تتأقلم مع الظرف الجديد الذي لم يكن متناغماً مع رغباتها، لتصل إلى حقيقة: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)[يونس:24].
المؤمن لا يشعر بالضياع:
وعلى كل حال فإن الجميع مدعوون في الشدائد ليتذكروا قول الإمام الجواد عليه السلام: (كيف يضيع مَنِ الله كافلُه؟).. إنّ المؤمن لا يشعر بالضياع، لأنّ مَن يؤمن بأن الكون في رعاية الله لا يفكر بالضياع، فإن كان يعاني من ضبابية المستقبل والخوف من القادم، أو يعاني في رزقه أو في صحته، أو يعيش رُهاب الموت، فليتذكر كلمات الخليل إبراهيم عليه السلام واصفاً الله سبحانه: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ، وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[الشعراء:78-83]

نعم، إنها البصيرة والحكمة التي نفقدها أحياناً فنضيع في متاهات الحياة، وننسى أن الغاية هي الآخرة وبأن نكون فيها مع الصالحين، كما ننسى أننا في عين الله.. وكيف يضيع مَن اللهُ كافلُه؟