بغلة القاضي

يقال انه كان هناك قاضياً متجبراً متغطرساً في ولاية من الولايات عندهُ بغلة ، والبغلة في تلك الايام تعادل (بي ام دبليو) في ايامنا هذه ، وكانت بغلة القاضي مدلّلة أيما دلال تأكل من المكان الذي يعجبها وتسرح وتمرح حيث يحلو لها ذلك ، ولا احد يستطيع ان يمنعها او يعاتبهــا "لاسمح الله" ، لانهـا بغلـة القاضي ، والقاضي راضي !!
وفي احد الايام ماتت بغلة القاضي فقرر ان ينظم لها تشييعاً رسمياً مهيباً وصاح المنادي : ( يا أهل الولاية ، حاضركم يبلغ غايبكم ، باجر موعد تشييع بغلة القاضي "حفظه الله ورعاه" ولازم الولاية تطلع كلهه للتشييع ... )
وفي اليوم التالي خرجت الولاية عن بكرة أبيها لتشييع الفقيدة بغلة القاضي وقد لبسوا السواد ووضعوا الطين على رؤوسهم حزناً على العزيزة الغالية بغلة القاضي !!
وبعد ستة أشهر مات القاضي ، فصاح المنادي في الناس للخروج في تشييعه اسوة ببغلته على الاقل فلم يخرج سوى (الحماميل) الذين رفعوا نعشه ( ولا أحد وراه ولا كَدامه !! ) ولسان حالهم يقول (أيـــه .. هم زين خلصنا منه !! ) ...
الغطرسة والتكبر والتعالي على الناس – أيها السادة - صفات طالما شكا العراقيون من وجودها في كثير من المسؤولين وأهل السلطة في اكثر من عهد ، وهي السبب الاول في فقدان الود بين الحاكم والمحكوم في هذا البلد .. الذي طالما شيّع بغلة القاضي خوفاً من (القاضي) الظالم لا حباً بالبغلة!!
لاحظنا في العهود السابقة (ايام المقبور صدام) ان الشارع او الحي الذي يسكن به احد المسؤولين يحظى بالعناية والرعاية والاهتمام ، فتناله بركات أولي الأمر ، واذا كان المسؤول مهماً فالحي الذي يسكنه مهمٌ أيضاً ، فلا أنقطاع في الكهرباء ولا شحة في المياه ولا تقصير في الخدمات ، ويعيش سكان ذلك الحي عيشة سعيدة مثل خاتمة الحكايات الشعبية ، بفضل – أخينا بالله – المسؤول الكبير وينعمون بما لا ينعم به غيرهم من عباد الله البائسين ...
عندما ولى العهد البائد ورفرفت رايات الحرية والديمقراطية والتعددية والشفافية واخواتها ، تنفس الفقراء الصعداء وتوقع الكثيرون خيراً ، فقد ذهب عصر المتنفذين وحل عهد المستضعفين والكل سواسية امام القانون وشركاء في البلد وصار عراق اليوم للجميع ، واخذنا نسمع المسؤول العراقي الجديد وهو (يسوي الهور مركَ والزور خواشيكَ) ...
الغريب في الامر أن (ريمه رجعت لعادتها القديمه) واكثر !! ربما لان (صانع الاستاد ، أستاد ونص) ، حيث ان الطامة الكبرى هي ان المسؤول لاينفع اهل الحي الذي يسكنه مثلما كان المسؤول في العهد البائد وانما يحرمهم ويضيق عليهم الخناق ويجير كل المنافع له وحده !!
وكمثال بسيط ، قام احد هؤلاء بتحويل التبليط الى الزقاق المؤدي الى داره بعد ان كان مشروع التبليط مخصصاً لشارع رئيسي في مدينته يخفف من الزحام المروري الخانق ، ولكن سيادته فضل حل مشكلته الشخصية على حساب مصلحة المدينة برمتها ، وعندما اعترض الاهالي رفع سيف عضويته في مجلس المحافظة الذي يجعله من ذوي الدم الازرق وعلى الجميع ان يفهم ان (بغلتَهُ تسرح وتمرح باللي يعجبها) فسكت الناس على مضض بانتظار موت القاضي ... !!!
والحليم تكفيه الاشارة .