تتسابق عدسات المصورين في الوصول إلى منزل الحاجة ميمونة عبد الله في بلدة الدبابية الحدودية في محافظة عكار شمالي لبنان، حيث تتهافت وسائل الإعلام للحديث عن أكبر معمرة في لبنان تحتفل ليلة رأس السنة ببلوغها سن الـ125 عاما.
يستغرب أبناء بلدة الدبابية من أن في قريتهم امرأة تبلغ هذه السن، فالحاجة ميمونة قوية الهمة، وبيضاء البشرة، ومرحة الروح حتى أن من يراها ويجلس معها يظن أنها امرأة في الثمانينيات من عمرها.
لا تغالي الحاجة ميمونة في الحديث عن ماضيها، بل تكتفي بالقول "ولدت وسط عائلة متواضعة في بلدة فنيدق في عكار ونشأت فيها نشأة صارمة، وعملت في فلاحة الأرض مع والدي فترة طويلة".
حافظت ميمونة على عادتها في الطعام منذ صغرها إلى اليوم وهي لا تأكل الدجاج، وقالت إنها تكتفي بلحم البقر والخضار الطازج والفاكهة الموسمية، كما لا تأكل الأطعمة المعلبة أبدا، وتمنع ابنها من جلبها إلى المنزل، وقد اعتادت كذلك على تناول سمك النهر لا سمك البحر.
تختصر ميمونة عمرها فتقول بالعامية اللبنانية "قضيناه شي بالقهر.. شي بالضحك"، حيث كانت شاهدة على الحرب الأهلية في بلدها وفظاعتها.
"
الحاجة ميمونة: أتمنى أن تعيشوا جميعا عمرا جميلا كعمري، وأن يحل السلام على هذا الوطن وأهله، أما بالنسبة لي فأتمنى أن أغادر هذه الدنيا عندما يشعر أبنائي بأنني بت عبئا عليهم
"
وعلى الرغم من الأحداث الأمنية العنيفة التي عصفت بالبلاد فإن ميمونة تزوجت في عمر مبكرة، وانتقلت للعيش في بلدة الدبابية على الحدود اللبنانية السورية، وأنجبت خمسة (ولد، وأربع بنات).
وقالت إنها قضت مع زوجها عمرا جميلا ولا تزال تحتفظ منه بخاتمها الذهبي الذي لا يفارق إصبعها على الرغم من أنه توفي منذ 39 عاما.
وتردف ممازحة ضيوفها أنه لو عرض عليها أحد الرجال الزواج الآن لفعلتها من دون تردد.
رعاية منقوصة
وعلى الرغم من تخطيها قرنا وربعا من العمر فإن الحاجة ميمونة لا تشكو من أي مرض أو عاهة وتمشي متوكئة على عصا خشبية، وتجلس بين أحفادها العشرين بفرح وغبطة تسرد لهم حكايات عن الزمن الجميل، وتبدو شديدة التعلق بولدها البكر حسن، وتقول "أنا سعيدة هنا، ابني وزوجته يهتمان بي، وأولاد أولادي أيضا".
ويكشف حسن -نجل ميمونة- أن والدته ترفض في الكثير من الأحيان مغادرة المنزل لزيارة بناتها، وتطالبه بإبلاغهن بضرورة المجيء إليها، لأنها متعلقة بهذا المنزل وبأهله على الرغم من تواضعه.
ويضيف "صحيح أن حالنا مستورة بفضل أولادنا الذين يعملون ويؤمنون لنا قوت يومنا، لكننا بحاجة إلى التفاتة من الدولة اللبنانية مهما كان حجمها، فامرأة كهلة بعمر والدتي تنقصها حتما رعاية رسمية".
تمسك ميمونة بيد ابنها وتتقدم نحو قالب الحلوى، تنظر إلى الحضور الذين جعلوا من يوم ميلادها مناسبة سنوية لزيارتها والاحتفال معها.
تتساءل ميمونة مداعبة الحاضرين: كيف سأقطع قالب الحلوى من دون أن تضيئوا لي 125 شمعة؟
وتضيف "أتمنى أن تعيشوا جميعا عمرا جميلا كعمري، وأن يحل السلام على هذا الوطن وأهله، أما بالنسبة لي فأتمنى أن أغادر هذه الدنيا عندما يشعر أبنائي بأنني بت عبئا عليهم".