تسكعنا ليلا
وكانت السماء تمطر بغزارة شديدة
كنا نسير في الشوارع تحت وابل المطر
قال جلال : هذا الماء يغسل الروح لان الغيوم قادمة من الجنوب
من العراق
اختلطت دموعنا مع حبات المطر
.... ترى هل سنعود يوما ما الى العراق ؟
قال جلال : والله لو يبقى من عمري يوم واحد الا ارجع للعراق
والله ما اندفن الا بالارض الي نولدت بيها
قلت : زين واذا طلعلك قبول بالامم المتحده ورحت لغير دولة ؟
قال : ما ممكن اي شي ينسيني قريتنا وبيتنا ... هم ارجع
عدنا الى البيت ( فوق السطوح )
كانت كلمات اغاني عراقية
مثل اغاني فؤاد سالم وسعدي البياتي ورياض احمد وسعدون جابر
تؤجج فينا نار الشوق وتعطينا حلما ورديا
نعم سننام ونحلم بالعراق
سنحلم بالبيت
والعائلة
والمحلة والجيران
والنخيل
والعصافير
لا ادري لماذا لا افهم زقزقة العصافير هنا مع انها لغة واحدة مشتركة بين هذه الطيور
تذكرت محلتنا عندما كنا صغارا
كنا نخوض حربا مع عش الزنابير
ونشعل لها النار ونؤجج الدخان ونستفزها
ونهرب عندما تهيج وتطن وتهاجم بشكل عشوائي
لم انس لسعاتها المؤلمة
ولا تأنيب امهاتنا وهن يضعن الملح على مكان اللسعة ويفركنها
ضحكت وانا استعرض شريط حياتي
كنا نجلس قرب تنور الخبز في محلتنا ونراقب النساء وهن يخبزن ارغفة سمراء
كن يصنعن لنا ارغفة صغيرة
نتلقفها ونضعها في حضن الدشداشة لسخونتها
ونركض بها الى البيت لنحظر بعض السكر ونضعه فوقها بعد ان نبللها ببعض الماء
ونلفها وننهشها بنهم .... ونستمر في معاكسة الزنابير
كانت كل نساء المحلة امهاتنا
وكل الاولاد اخوة لنا
وكل البيوت بيتنا
ترى اليوم ... كيف هي البيوت ؟ والمحلات ؟ والدرابين التي ولدنا وكبرنا فيها ؟
لا بد انها تنوء
تنوء بحمل هموم قاطنيها ... تنوء بهموم اهلنا
بدا لي في بعض الاحيان
اننا جبناء ... كل من ترك بلده وهرب من الظلم فهو جبان
لماذا تركنا اهالينا وهربنا ؟
لماذا تركنا اصحابنا وهربنا ؟
لماذا تركنا حياتنا وهربنا ؟
هل كنا نخاف السجن او الموت ؟
لماذا لم نستمر ؟
لماذا لم نتحمل نصيبنا من القهر والظلم كما يتحمل العراقيون اليوم
ترى كم عراقي الآن .... في هذه اللحظة
يئن ويصرخ طالبا الرحمة
وجلاديه يهزأون ؟
ام ان الشعب كله يئن ويتوجع
والجلاد يسخر .... ولا يلين