قالها الإمام الشافعي وأكمل:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيـــــــب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب *** ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب *** ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
وهكذا أوجزت قبل أن أبدأ، ووجدت العبارة الأكمل والشعر الأبلغ عن حالنا والأفصح عما تصنعه أيدينا، فمن أعمالنا تسلط علينا الفاسدون، ومن وهننا نسج المتجبرون أسلاكاً شائكة نهاب الاقتراب منها، ومن عظامنا شيد وا القصور، واحتموا بالمنصات العالية، ليس خوفاً منا، إنما بعداً عن ملامحنا التي لم تعد ترضيهم من كثرة الابتسامات الباهتة، نحن أكثر دكتاتورية من الحكام، وأكثر ظلماً من ظالمينا، وأكثر فساداً من الذين باعوا جلودنا، وأكثر خوفاً من الخائفين الجاثمين على قلوبنا. نحن الذين نصنع الأعمال الرديئة، ونقبل البطش والهوان ونستلطف الذل ونعز الكرامة المهدرة، ونعشق دور الضحية.. نمجد الجلادين ونخون الشجعان منا.. نصفق لمن يلقي بالشدائد في وجوهنا ونقتل من يحمل مصباحاً صغيراً.. نحن الذين صفقنا للزيف وامتدحنا الكذب ووبخنا الصدق، نحن من بايعنا الظلم بالصمت، والقهر بالرضوخ- رضوخاً للقضاء والقدر- نحن الذين اخترنا أن نساق، ونحن ظمأى، بعصا يهش بها علينا الراعي الذي نتخيله مخيفاً، فلا نذهب للنهر لنروي عطشنا. لم نختر حكامنا، في أي وقت، ولم نقر قانوناً ينشر العدل بيننا. لم نغضب من الذين تولوا أمرنا ولم يستشيرونا في شيء، رغم أننا نلقي بأجسادنا تحت أقدامهم عند الشدائد، لكنهم لم يلتفتوا إلينا في السراء.. استمعنا لخطبهم وصدقنا كذبهم وحفظنا شعاراتهم، رغم أنهم لم ينجدوا ملهوفاً ولم ينصفوا مظلوماً. نشارك في الزفة ونرقص للمنتصرين، ولا ننال في النهاية غير جري المتاعيس كأننا صدقنا أن الرياح يمكن أن تهب بما تشتهي السفن، ولم نصدق حتى حين غرقت مراكبنا، فالطغيان لا يموت إلا بالعصيان ورفض الخضوع. والباطشون لا يكونون هكذا إلا حين تخلع الأجساد ملابسها استعداداً للجلد، إذ لا سلطان لظالم إلا بما يمنحه له شعبه. ألسنا نحن الذين صدقنا الشعارات الخاوية والجوفاء كشعوب طيعة لا تحتاج لأي جهد لكي تنقاد إلى إرادة الاستبداد، تلعب دور المتفرج، وكأن دور الشعب يكمن فقط في التهليل والتصفيق، وقبول كل ما يصدر من رؤي وأفكار وقرارات، حتى دخلنا كهوف التخلف.ألسنا نحن الذين نهاب الأجهزة البوليسية وننصرها في ظلمها، ونفر من وجهها دون أن نقول لها كلمة حق، ولو مرة واحدة، لنصرة مظلوم أو منعها من خطاياها؟ نفر من أمامها أفراداً ولا نجابه ظلمها جماعات، وإذا كنا نخاف من تلك الأجهزة القمعية، فلماذا نخاف من موظف صغير لا يعطينا حقنا إلا بعد أن يقبض، وكأن هناك اتفاقاً غير معلن بين الشعب وموظفي الدولة يدفع بمقتضاه القادرون ثمن إنهاء مصالحهم رشوة مقابل تعطيل مصالح غير القادرين، ورفض طلباتهم، بل يستسلمون، طواعية أو جبراً، لفساد الفاسدين، بل بعيونهم على فسادهم وظلمهم، ويمتدحون عندما تكبر كروشهم، ويصبحون من الأثراء وعلية القوم وينضمون لطائفة المستبدين. ألسنا نحن من يتعارك يومياً في الشارع مع بشر مطحونين مثلنا، وكأننا لا نطيق بعضنا أو كأننا (نفش) غليلنا في أنفسنا، فنحن لا نتواد ولا نتراحم، إنما نتزاحم ونتدافع ونتقاتل، في مواقف السيارات، وفي طوابير البطالة والخبز، شجار في المواصلات، وفي البيت، مع السائق والبقال والجار، شجار لأسباب تافهة أو دون أسباب، تفريغ كامل لطاقتنا، وإنهاء كبتنا فيما بيننا. وأبداً لا نرفع السبابة في وجه الحكومة لنعترض علي القرارات الخاطئة، والسياسات العشوائية. لقد شغلتنا توافه الأمور عن عظيمها، واستبدلنا بما هو أنفع للناس ما يضرهم، تركنا الأفكار الراقية والفكر الناضج واشتبكنا مع قضايا أهم ما فيها ثرثرة فارغة، إذ تركنا اللصوص ينهبون القطاع العام ويسرقون أموال البنوك، ويستحلون المال العام.. وتفرغنا للصراع على شاب تافه انتقل من الإسلام إلى المسيحية أو فتاة مراهقة تركت المسيحية ودخلت الإسلام، وغرقنا في بحر من الجدل والسفسطة عن إرضاع الكبير، وبول الرسول، وفتوى جلد الصحفيين باعتبارهم زناة الحقيقة.. للأسف كل الأسف لقد ابتعدنا جداً عن مواجعنا وعللنا الحقيقية. بل من المخجل أن نرى أناسا" يتسيدون المناصب وهم غير كفؤا لها وأصبح فعلا" الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب والأتعس من ذلك أنه يسرق مليارات الدولارات ثم يترك دون حساب ولا عقاب والسبب هو إننا نقبل بالذل والهوان ولم نحرك ساكن يوما" ما ولم نكن مثل الذين طبقوا مبدأ (( إذا الشعب يوما" أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر )) و أن (( الجماهير أقوى من الطغاة ) فأين نحن من هؤلاء العظام الذين وقفوا بوجه الطغاة ففعلوا ما أرادوا وانتصرت إرادتهم على إرادة الجلاد وقد رأينا ذلك بأنفسنا بل إننا استنشقنا عبير الحرية بسببهم فلماذا لانسير على دربهم عملا" وفعلا" لاشعارات زائفة ونجعل المارقين السارقين خاضعين لأرادتنا ونحن الذين نتحكم بهم من أجل عزنا وتقدم بلدنا الحبيب الجريح ، أنها دعوة لأبناء شعبنا الأكارم أن لايقبلوا بتكرار المأساة وان لايقبلوا بإعطاء منصب لشخص وهو غير كفؤ وغير مؤهل لهذا المنصب ،وأنها دعوة كريمة لأخوتنا في الأحزاب والكيانات السياسية وأخوتنا في البرلمان وفي مجالس المحافظات خصوصا" !!!! أن لايعطوا منصبا" لشخص ما بموجب قرار دون أن يراعوا مقبولية هذا الشخص من قبل الجماهير بحجة أغلبية هذه الكتلة أو تلك داخل المجلس وتترك الجماهير خلف ظهورها وأن يعطوا المنصب فعلا" للرجل المناسب في المكان المناسب وأن نعمل بمنطق العقل والوطنية العراقية الصادقة لا بمنطق العلاقة والعاطفة .............
بقلم الكاتب
ثامر القطبي