نذكر هنا هزيمة الحملة العسكرية الكبيرة للقوات المشتركة (الكويتية – السعودية) أمام قوات مملكة المنتفق في معركة هدية عام 1910م . أنطلقت الحملة من الكويت (حيث تم تجهيزها هناك من قبل شيخ الكويت مبارك الصباح) وقادها الملك عبدالعزيز آل سعود ، وأصطدمت بقوات حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن منصور السعدون في منطقة جريبيعات الطوال حيث منيت الحملة بخسارة كبيرة وإنهيار عسكري في أرض المعركة. بعد المعركة أمر آل سعدون مقاتليهم بعدم تتبع الجنود المنهزمين ثم قاموا بإكرام الأسرى وإطلاق سراحهم (بعد تجريدهم من سلاحهم) في موقف إنساني نبيل.**تقرير الوكيل البريطاني في الكويت عن أسباب الحملة**:أشار الوكيل البريطاني في الكويت (المعاصر للأحداث) في تقريره الذي تم إعداده قبل تحرك الحملة العسكرية المشتركة إلى أن الشائعات الرائجة في الكويت تقول أن الحملة العسكرية تمت بإيعاز من والي البصرة العثماني الذي التقى الشيخ مبارك الصباح في الفاو.وإشارة الوكيل البريطاني في الكويت (المعاصر للأحداث) في تقريره توضح أن والي البصرة أراد إضعاف قوة آل سعدون التي كانت تهدد مركزه في مدينة البصرة وذلك بإدخاله أطراف جديدة في السياسات العثمانية الرامية الى اضعاف الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق.**تقدير الوكيل البريطاني في الكويت لعدد قوات الطرفين**:يقدر الوكيل البريطاني في الكويت (المعاصر للأحداث) عدد قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) برقم يتراوح ما بين (10500 مقاتل – 12000 مقاتل) ... ينقسمون الى خيالة يتراوح عددهم ما بين ( 2500 فارس – 3000 فارس) وراكبو هجن ما بين ( 8000 رجل – 9000 رجل).أما عدد قوات حاكم مملكة المنتفق فالمعروف منها للوكيل البريطاني في الكويت هو عدد الفرسان فقط وهم 4000 فارس ، وقد نقل الوكيل البريطاني هذا الرقم (عدد فرسان قوات مملكة المنتفق) عن شاهد عيان للمعركة وهو أحد شيوخ القبائل المشاركة ضمن قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية).**مكونات قوات الطرفين**:كانت قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) تتكون من سكان الكويت ونجد والأحساء وقبائل هذه المناطق مثل: العجمان ، ومطير ، والعوازم ، وبني هاجر ، وبني خالد ، وآل مرة ، وعتيبة ، وقحطان ، وسبيع ، وعريبدار الكويت.أما قوات حاكم مملكة المنتفق فكانت تتكون من قبائل المنتفق بشكل عام ، وقبيلة الظفير ، والعمور من بني خالد ، وبعض الحاضره من سكان قرى وبلدات مملكة المنتفق.**تأثير تجهيز الحملة على إقتصاد الكويت**:أشار الوكيل البريطاني في الكويت (المعاصر للأحداث) الى أن تجهيز الحملة أحدث تأثيرا إقتصاديا كبيرا في الكويت حيث أرتفعت أسعار الأبل 25% ، وأسعار السلع الأخرى أرتفعت بنسب متفاوته وخاصة السلع المتعلقة بالهجن والأرز والبن.**القيادة العسكرية الميدانية للطرفين**:كانت قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) تحت قيادة الملك عبدالعزيز آل سعود لخبرته العسكرية الكبيرة ولأن معظم قبائل الحملة هي قبائل نجدية.أما قوات مملكة المنتفق فكانت تحت قيادة حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن منصور السعدون.**انطلاق الحملة من الكويت وتفاصيل المعركة**:تحركت قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) من الجهراء في الكويت بتاريخ 13 مارس 1910م متجهة الى أراضي مملكة المنتفق ، وتقدم حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن منصور السعدون بإتجاه قوات الحملة قبل أن تتوغل في أراضيه ، ثم تقابلت قوات الطرفين في منطقة جريبيعات الطوال بعد ثلاثة أيام بتاريخ 16 مارس 1910م.بدأت قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) الهجوم عند الفجر وتراجعت قوات مملكة المنتفق بشكل مدروس بدون أي خسارة ، ثم أندفع الأمير الشريف سعدون السعدون ومعه قوات الخيالة في جيش مملكة المنتفق وقام بهجوم عنيف جدا وبشكل مفاجيء على الجناح الأيمن لقوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) حيث أنهارت القوات الكويتية ومعها بعض البادية من شدة الهجوم وتركوا ميدان المعركة. وحاول الملك عبدالعزيز كما تذكر المصادر البريطانية التراجع بشكل منتظم ومحاولة تغيير نتيجة المعركة إلا أن قوات الحملة المشتركة (الكويتية – السعودية) كانت قد أنهارت بشكل كامل وتركت خلفها أموالها وجميع تجهيزاتها كهدية لجيش آل سعدون ومن هنا حصلت المعركة على أسمها (هدية) حيث قال أهل الكويت (((أخذنا أموالنا لابن سعدون هدية))).وينقل الوكيل البريطاني في الكويت (المعاصر للأحداث) وصفا لنهاية المعركة ، وذلك نقلاعن أحد شيوخ القبائل المشاركة في الحملة والذي فر من ميدان المعركة بعد انهيار القوات المشتركة ، حيث قال الشيخ للوكيل البريطاني (((هذه الحملة الكويتية السعودية كان يمكن أن تصل إلى دمار شامل لولا وجود عبدالعزيز وتمرسه في الحرب ، وتهاون السعدون في قتل الأسرى ، فقد طلب أن يجردوا من السلاح ويتركوا الى حال سبيلهم))).**الموقف الإنساني لأسرة السعدون (الأشراف) تجاه الأسرى والجنود المنهزمين**:بعد المعركة أمر آل سعدون مقاتليهم بعدم تتبع الجنود المنهزمين ثم قاموا بإكرام الأسرى وإطلاق سراحهم (بعد تجريدهم من سلاحهم) في موقف إنساني نبيل. ويشكر مؤرخ الكويت الأول (المعاصر للأحداث) الشيخ عبدالعزيز الرشيد هذا الموقف الإنساني النبيل لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن منصور السعدون وأسرته (آل سعدون) وقبائلهم ، وذلك في كتابه تاريخ الكويت ، حيث قال (((لايسعنا هنا إلا أن نشكر سعدونا وقومه ، ونعترف لهم بالفضل والكرم. فانهم وقد كان في استطاعتهم ابادة الجيش المهاجم بعد أن وضعت الحرب اوزارها ، قبضوا أيديهم عن القتل ، وساعدوا المنقطعين منه في إرجاعهم الى وطنهم ، ولم يخيفوا أحدا ، أو يلحقوا به ضررا))).**الأثر الإقتصادي لخسارة معركة هدية على الكويت**:كان لخسارة معركة هدية أثر اقتصادي على الكويت تمثل في أمرين: الأول الخسارة الإقتصادية الكبيرة لتجار الكويت والجنود الذين رافقوا الجيش حيث حملوا معهم أموالهم للتجارة وشراء الغنائم ، وحملوا معهم الأصباغ لتمييز مايشترونه ، وكانوا يظنون أنهم سائرون للنزهة ( كما وصف ذلك مؤرخ الكويت الرشيد) ، وبعد المعركة خسر التجار والجنود كل أموالهم فقالوا المقولة الشهيرة التي أخذت منها المعركة اسمها (((أخذنا أموالنا لابن سعدون هدية))).الأمر الأخر تمثل في الضرائب الكبيرة التي فرضها شيخ الكويت مبارك الصباح بعد المعركة على سكان الكويت وذلك لتعويض خسائر معركة هدية ، وقد تسببت هذه الضرائب بهجرة تجار اللؤلؤ من الكويت في حادثة مشهورة وهم صفوة أثرياء الكويت في تلك الفترة.ملاحظة: القسمين التاليين من المنشور تتعلق بأوضاع مملكة المنتفق منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي (عام 1850م) وحتى معركة هدية ( عام 1910م) وذلك لإعطاء القارئ تصور عن الحالة السياسية لمملكة المنتفق قبل هذه الحملة العسكرية.**موجز عن أوضاع مملكة المنتفق قبل سقوطها الأول عام 1881م**:كانت مملكة المنتفق قد بدأت الدخول في أضعف فتراتها التاريخية منذ العام 1853م عندما بدأت مرحلة الإفراز والتي كانت تتمثل بالتنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها رسميا ، وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين ، وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والإعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن اراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول إفراز هو إفراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853م من قبل الأمير الشريف منصور السعدون. ومن السياسات التي بدأت الدولة العثمانية في هذه المرحلة تطبيقها في محاولة لإستمالة آل سعدون ، هي سياسة منحهم ألقاب رسمية عثمانية ، حيث كان الأمير الشريف منصور السعدون أول من حصل على لقب (باشا) من آل سعدون عام 1860م.وقبل العام 1863م كان الأمير الشريف منصور بن راشد السعدون قيد الإقامة الجبرية في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها ، وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير الشريف ناصر بن راشد السعدون ، وقد أراد الأمير الشريف منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني وبنفس الوقت إيقاف سياسة الإفراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق الى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل الى الحكم ، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق وبالتالي لايوجد مبرر لطلب التنازل عن أراضي من مملكة المنتفق الى العثمانيين. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السابع ، حوادث 1863م ، ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة الى فصل بعض المواطن، وبين أنه اذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))). ومنذ ذلك التاريخ بدأت مملكة المنتفق تفقد استقلالها ، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي. يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق أسرة السعدون (الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))). في هذه الأثناء كان الأمير الشريف ناصر السعدون (منافس الأمير منصور على الحكم) قد أدرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا ، لذلك وبعد صراع سياسي وعسكري بين العثمانيين وأسرة السعدون ... اتفق الأمير الشريف ناصر السعدون مع مدحت باشا (والي بغداد) على إدراج ماتبقى من مملكة المنتفق ضمن الدولة العثمانية وفق آلية محددة وذلك بأن يكون ماتبقى من أراضي مملكة المنتفق عبارة عن لواء مستقل يسمى بـ (لواء المنتفق) ويحكم من قبل آل سعدون ويعترف بالتبعية الأسمية للعثمانيين، وبذلك يتم الوصول إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي الى تهدئة المنطقة ، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه بحدود عام 1869م.أنتهت هذه الحقبة التاريخية عام 1881م بسقوط مملكة المنتفق أمام الدولة العثمانية لأول مرة منذ 350 سنة في معركة كون الريس ، حيث لم تلتزم الدولة العثمانية بما تم الإتفاق عليه وأستغلت فرصة ضعف مملكة المنتفق وأسقطتها بحملة عسكرية كبيرة عام 1881م. وقد هاجر آل سعدون الى الحويزة حيث أقاموا في ضيافة حاكم عربستان (الأمير مزعل الحاج جابر المرداو) لمدة سنتين ثم عادوا الى العراق. ولكثرة أحداث هذه الحقبة التاريخية سوف أضع نص مصور واحد فقط يتعلق بها مع هذا المنشور (حتى لا أشتت االقارىء) وسوف أضع منشور مستقل لاحقا ان شاء الله يفصل في أحداثها ويعرض العديد من النصوص التاريخية.**موجز عن أوضاع مملكة المنتفق بعد سقوطها الأول عام 1881م وحتى معركة هدية 1910م**:كانت عودة آل سعدون من الحويزة الى العراق وفق شروط وضعتها الدولة العثمانية عليهم كي لايتمكنوا من إعادة بناء دولتهم من جديد ، ولكن الأمير الطموح الشريف سعدون بن منصور السعدون أستطاع أن يستعيد نفوذ آل سعدون بالبادية الجنوبية حيث أسس أولا قلعة أبو غار واتخذها مقرا لحكمه ، ثم أسس مجموعة من القلاع في البادية وسيطر على كل القبائل والعشائر في البادية من حدود النجف شمالا وحتى حدود الكويت جنوبا ، ولم يتمكن الأتراك من ملاحقته أو القضاء عليه ، وانحصر نفوذ الأتراك بالقاعدة العسكرية التي قاموا بإنشائها بعد عام 1881م في مدينة الناصرية (عاصمة مملكة المنتفق قبل سقوطها).في هذه الأثناء قام حاكم مملكة المنتفق (السابق) الأمير الشريف فالح بن ناصر السعدون بالطلب من ابن خميس ( تاجر نجدي كان يوالي آل سعدون) بأن يبني مدينة صغيرة في البادية وقريبة من الأهوار ، وذلك حتى يتخذها آل سعدون عاصمة جديدة لهم وتكون في مأمن من الدولة العثمانية ، وقد أدى غرق سوق الشيوخ بفيضان الفرات بتلك الفترة الى سرعة نجاح هذه المدينة (مدينة الخميسية) حيث تحولت القوافل التجارية لها وبدأ آل سعدون يستعيدون حكمهم المستقل حيث ظهرت مملكة المنتفق إلى الوجود مرة أخرى.انقسمت قبائل المنتفق في هذه الفترة الى قسمين، قسم أصبح يدعم حاكم مملكة المنتفق الجديد الأمير الشريف سعدون السعدون (معظمهم من قبائل البادية وقبائل يمين الفرات) ، وقسم يدعم حاكم مملكة المنتفق (السابق) الأمير الشريف فالح بن ناصر السعدون (معظمهم من قبائل المنطقة مابين دجلة والفرات). هذا أدى الى انقسام مملكة المنتفق الى قسمين متصارعين ، ونتيجة لعجر الدولة العثمانية عن إيقاف نمو نفوذ آل سعدون فقد لجأت الى أسلوبها القديم بدعم الإصطدام بين أبناء الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) حيث دعمت الدولة العثمانية سياسيا وعسكريا القسم التابع للأمير الشريف فالح السعدون فيما يبدو بأنه محاولة منها لخلق منطقة عازلة بين أراضيها وبين أراضي الأمير الشريف سعدون السعدون الذي أعتبرته خارج على القانون ولكنها لم تتمكن من هزيمته وإخضاعه.وفي عام 1904م قام حاكم شمال الجزيرة العربية الأمير عبدالعزيز الرشيد بالتوسط لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون السعدون لدى الخليفة العثماني ، وهو ما أدى الى أنتهاء صراع طويل بين حاكم مملكة المنتفق وبين العثمانيين، حيث حصل سعدون على لقب باشا وأشتهر منذ ذلك التاريخ بـ (سعدون باشا). واصلت الدولة العثمانية سياستها في إضعاف آل سعدون وقامت منذ تلك اللحظة بدعم كلا الطرفين في مملكة المنتفق عسكريا وسياسيا ، وبدأت مملكة المنتفق تشهد صراعا داخليا قويا ، حيث حصلت في تلك الفترة معارك عسكرية كبيرة كان أشهرها معركة الشطرة عام 1908م. وقد ضعفت قوة آل سعدون نتيجة الصراع الداخلي ، وبذلك دخلت مملكة المنتفق معركة هدية وهي في أضعف حالاتها. وعلى الرغم من الصراع العسكري بين قسمي مملكة المنتفق فأن قوات عسكرية من القسم الأخر في مملكة المنتفق بقيادة الأمير الشريف عبدالله بن فالح السعدون قد دعمت حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون السعدون في معركة هدية.