.بسم الله الرحمن الرحيم
هنالك مفهوم خاطئ للاستغفار شائع بين الناس، وهو الاكتفاء بالحركات اللفظية على اللسان غير المؤثرة في السلوك.. وقطعاً هذا إنسان مستهزئ بنفسه، يتمتم بلسانه قائلا: (أستغفر الله ربي وأتوب إليه) -لعله ألف مرة- ونفسه تنازعه أو ينوي -بعد قليل- الهم بالمعصية!..
والحال بأن الاستغفار هو حالة باطنية من الإحساس العميق بالندم، والعزم على عدم العود للمعصية.. ومن المعلوم أيضاً أن الذي يصل إلى هذه الحقيقة: وهي الرؤية الملكوتية للحرام، حيث يرى أن الغيبة عبارة عن أكل لحم الميت، وأكل مال اليتيم يساوق أكل النار، وأخذ الربا من مظاهر المس الشيطاني.. فقد وصل إلى عمق التوبة الصادقة المقبولة.
. وللتوضيح هذا المفهوم أكثر، نورد هذه الرواية للإمام علي (ع)
:
قلت: يا أمير المؤمنين!.. العبد يصيب الذنب، فيستغفر الله منه.. فما حد الاستغفار؟.. قال: يا بن زياد، التوبة.. قلت: بس!.. قال: لا، قلت: فكيف؟..
قال: إن العبد إذا أصاب ذنبا يقول: أستغفر الله بالتحريك.. قلت: وما التحريك؟.. قال: الشفتان واللسان، يريد أن يتبع ذلك بالحقيقة.. قلت: وما الحقيقة؟.. قال:تصديق في القلب، وإضمار أن لا يعود إلى الذنب الذي استغفر منه.. قال كميل: فإذا فعلت ذلك، فأنا من المستغفرين!.. قال: لا، قال كميل: فكيف ذاك؟.. قال: لأنك لم تبلغ إلى الأصل بعد!.. قال كميل: فأصل الاستغفار ما هو؟.. قال: الرجوع إلى التوبة من الذنب الذي استغفرت منه، وهي أول درجة العابدين، وترك الذنب..
والاستغفار اسم واقع لمعان ست: أولها: الندم على ما مضى.. والثاني: العزم على ترك العود أبدا.. والثالث: أن تؤدي حقوق المخلوقين التي بينك وبينهم.. والرابع: أن تؤدي حق الله في كل فرض.. والخامس: أن تذيب اللحم الذي نبت على السحت والحرام، حتى يرجع الجلد إلى عظمه، ثم تنشئ فيما بينهما لحما جديدا.. والسادس: أن تذيق البدن ألم الطاعات، كما أذقته لذات المعاصي))