بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهكيف تكون عبدا عابداً وربانيا مخلصاً
الإمام ابن القيم،أوضح لنا كيفية ان نكون عباداً ربانيين لله وحده فقال،ولن يبلغ العبد الربانية إلا إذا ربى نية،وجملة نعت العبد حقًا أنه المتخلى عن الدنيا تصرفًا،والمتجافى عنها تعففًا، لا يستغنى بها تكثراً،ولا يستكثر منها تملكاً،وإن كان مالكًا لها بهذا الشرط لن تضره، بل هو فقيراً غناه في فقره،وغني فقره في غناه،
إن الله،جلَّ جلاله،حين مدح أقرب خلقه إليه المصطفين الأخيار من عباده من الأنبياء مثل أيوب عليه السلام،قال(نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)سورة ص،
فنصف العبد أنه خالصًا لله وحده(إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي)آل عمران،
أي خالصاً لله وحده لا يرغب بالدنيا،وليس معنى هذا أن نتخلى عنها ونهمل موارد رزقنا، ولكن نتجافاها تعففًا(يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)البقرة،
عفيف متعفف ذو عيال،وهذا أولهم تبعاً لقول سيد الخلق،صلى الله عليه وسلم،فالعين عفيفة لا تتطلع،واللسان لا ينطق من العفة، والأذن لا تتصنت،والعقل عفيف لا يستشرف،والقلب غنى بالعفة، ففي الحديث عن،حكيم بن حزام،قَال،سألت النبي،صلى الله عليه وسلم(فَأعطاني،ثم سألته فَأعطاني،ثم سألته فَأعطاني،ثم قَال،إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه،وكانَ كالذي يأكل ولا يشبع،واليد العليا خير منَ اليد السفلى)أخرجه،مسلم في صحيحه،وصف العفيف صاحب القلب الغنى لا يستشرف،وإنما هو غنى، بينه وبين ما لا يملكه تجافى تعففاً، لا يستغنى بها تكثراً،ولا يستكثر منها تملكًا، وإن كان مالكا لها بهذا الشرط، فهو غناه في فقره فلا يستغنى بها اعتماداً عليها،ولا يفتقر إليها مساكنة إليها، لا يعتمد عليها أبداً ولا يحتاج إليها، بل على الله محتاج دائماً لله، يقول الله تعالى(إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ،أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)سورة يونس،يقول الله تعالى ،مخبراً عن حال الأشقياء الذين كفروا بلقاء الله يوم القيامة ولا يرجون في لقاء الله، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها أنفسهم،
قال الحسن،والله ما زينوها ولا رفعوها،حتى رضوا بها وهم غافلون عن آيات الله الكونية فلا يتفكرون فيها،بأن مأواهم يوم معادهم النار،جزاء على ما كانوا يكسبون في دنياهم من الآثام والخطايا والإجرام،مع ما هم فيه من الكفر بالله ورسوله واليوم الآخر،
قال أبو جعفر،يقول تعالى،إن الذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة،فهم لذلك مكذبون بالثواب والعقاب،متنافسون في زين الدنيا وزخارفها،راضون بها عوضاً من الآخرة ،مطمئنين إليها ساكنين ،وحججهم على عباده في إخلاص العبادة له ( غافلون ) ، معرضون عنها لاهون،لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه،ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون ( أولئك مأواهم النار )يقول جل ثناؤه،هؤلاء مصيرهم إلى النار نار جهنم في الآخرة ( بما كانوا يكسبون )فهذا العبد لا يريد الدنيا، فقدوته النبي الكريم، فقد روي عن ابن عباس،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال يا نبي الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا،فقال،مالي وللدنيا،ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف،فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها،
رواه أحمد،بإسناد بصحيح،
إننا ينبغي أن نفهم أن من صفة العبد الرباني أنه يعمل على موافقة الله في الصبر، والرضا والتوكل والإنابة، فالصبر مطلوب، وهو صبر بالله، وصبر لله، وصبر في الله،
إن العبد خالصاً بكليته لله، ليس لنفسه ولا هواه،فهو يريد الله بمراد الله، وهمته لا تقف دون شئ سواه، قد فني بحب الله عن حب ما سواه، وبأمر الله عن شهوته وهواه، وبحسن اختيار الله له عن اختياره لنفسه،
الربانية، ما أجملها من كلمة حين نُترجِمها واقعًا وعملاً،لتكون لنا نورًا نُبصِر به ونسير به بين الناس، فلا توقفنا أو تعرقلنا عتماتُ طريقٍ، ولا تُكبِّلنا أو تُقعدنا مكايد الحاقدين والعائنين والحاسدين والساحرين والمفسدين، ولا تُحبطنا أحزان ولا مصاعِب، فنظل بربانيتنا نتحصَّن،نستظل،ومعها نعيش وبها نَحيا، وبتطبيقها نسعد،وفى فلكها يطيب عيشنا ونسكن ونفوز،فالرباني هو،العالم المعلم المتمسك بدين الله وطاعته،البصير في سياسة الناس،
ويمكن للعبد أن يكون عبدا ربانيا إذا اتصف بهذه الصفات من العلم والحلم والحكمة والزهد والعبادة وتعليم الناس الخير،ومن أهل العبادة وأهل التقوى،
والسبيل إلى ذلك كله هو تقوية الإيمان بالله تعالى، وكمال التصديق بوعده ووعيده،اللهم اغننى بالعلم وزيننى بالحلم واكرمنى بالتقوى وعلمنى ما ينفعنى وانفعنى بما علمتنى وزدنى علماً،وإجعلني خيراً مما يظنون،وإغفر لي، وإرحمني يوم يبعثون.