لماذا انا؟
تخيل انك طالب في صف ضمن مجموعة طلاب والمعلم المسؤؤل عنكم لديه مهام يريد اسنادها اليكم ويجب عليكم انجازها بإتقان , بعض هذه المهام صعب وبعضها يسير , فيشير اليك المعلم: يا فلان اسندت اليك تلك المهمة الصعبة ويشير الى طالب بجوارك ويقول: فلان اسندت اليك مهمة يسيرة .
كيف سيكون شعورك في تلك اللحظات؟
لو كنت انسانا سويا تعطي ذاتك قدرها ومؤمن بأنك يجب ان تنال المكان الذي يليق بك في هذا العالم عندئذ سوف تبتهج بالمهمة الصعبة المسندة اليك لأن هذا دليل على ثقة المعلم بك .
بعيدا عن التشبيه ولله المثل الاعلى فإن ما انت به الان هو اختيار الله لك وتقدير الله لحياتك , اي انك تسير على الدرب الذي قدر الله لك السير فيه وإن كان محفوفا بالاشواك والعقبات , وكذلك المتاعب التي انت بها ما هي الا حمل القاه الله على كاهلك والله لن يلقي على ظهرك حملا الا وهو متاكد بأن ظهرك كفؤ له .
هناك من سيقول بأن البعض قد قصم ظهره الحمل الملقى على عاتقه وهذا يناقض ما ذكر سلفا .
ايها السائل دعني اجبك بالاتي: اكيد ان اي حمل لا تحمله بالطريقة المثلى سوف يؤذيك فما بالك بحمل الحياة حين تحمله وتسير به بطريقة خاطئة اكيد انه لن يقصم ظهرك فقط بل سيفصم رقبتك ايضا .
لماذا انا؟ سؤال يسئله الكثيرون وهم ناقمون من امر جلل ملقى على عاتقهم ويعتبرون ذاك الامر تكليفا خاليا من التشريف , ولكن ستقلب المعادلة لو نظرنا لهذا السؤال من منظار اخر وطرحناه على انفسنا بمقصد اخر: حيث اننا حين نعد صعوبات معيشتنا ناقمين مرددين لماذا انا حينها لنضع في الحسبان ثقلا سيغير قليلا من توازن الميزان الذي نزن به الامور وهذا الثقل مفاده: كلما كثرت صعوبات الحياة كلما كان هذا دليلا على ثقة الله بنا فمصائب الدنيا هي احد مقاييس ثقة الله بعبده فالله ان احب عبدا ابتلاه
.
ما معنى ان احب الله عبدا ابتلاه؟ ولماذا يبتلي الله عبده ان كان يحبه؟ الا يجب ان يخفف عنه بدلا من ان يبتليه؟!
الدنيا دار فناء والاخرة دار بقاء والابتلاء يرفع درجة المرء في الاخرة حيث ان درجة اي مخلوق في الاخرة تعتمد على درجة كفاحه وثباته في الدنيا , والمبتلى من المفترض ان يكافح كثيرا ولذلك فإن اجره في الاخره سيرتفع بموجب كفاحه , اي انه سينال اجرا من اجل العبادة والطاعات وأجرا آخر ومغفرة أخرى من اجل الابتلاء .
اما غير المبتلى فإنه سينال اجر العبادة والطاعات كاملا غير منقوص ولكن ليس له اجرا من اجل الكفاح لانه غير مبتلى اي سيرفع عنه ذلك الاجر لرفع الابتلاء عنه لكونه مرفها في الدنيا .
اعلمت الان ان الله قد اصطفاك حين ابتلاك؟ اعلمت الان ان الله يثق بك وبإيمانك وقوتك ولذلك اختار لك الموقف الصعب لتخوض غماره؟ لأنه يعلم بأنك ان استخدمت قواك التي وهبها لك لن يمكن للإبتلاء ان يخضعك .
الله يعلم ما لا نعلم ولو تفكرنا بخلق الله وحال الدنيا لتوصلنا لجزء يسير من حكمة ربنا في كل ما يحدث في الكون وهذا الجزء اليسير من المعرفة يكفي كي يوصلنا الى معرفة حق الله علينا وبالتالي سوف نجتهد كي نؤديه حقه سبحانه وتعالى وذلك سيضمن لنا مكانا في الجنة وهذا هو المبتغى من رحلة الدنيا .
نقطة ضوء أخيرة: ان تتقبل كونك في المكان الذي انت به في الدنيا قائلا: الحمد لله بأنني انا المبتلى المأجور المكافح الملتذ بالكفاح بدلا من ان تقول لماذا انا ذاك البائس الناقم على ذاته ودنياه وليس غيري , ذلك يحتاج ان توقد شعلة التحدي في داخلك كي تنير لك درب الكفاح وان لم توجد في عمق روحك شعلة تحدي بالإمكان ان توقد يجب عليك ان تستحدث واحدة .