طائفة البهرة هي امتداد لإحدى فرق الشيعة تتخذ من مسجد الحاكم بأمرالله مركزا دينيا لها تحجب ستائره جزيرة منعزلة من الطقوس.
العرب/القاهرة- رغم تمدد أذرع الطائفة في أكثر من دولة، مازالت ذراعها المصرية مجهولة لا يعرف عنها الناس الكثير. البُهرة في مصر وجدوا في ثورة 30 يونيو ملجأ سياسيا، وتلمسوا في نظام الحكم الذي أفرزته مخبأ روحيا جنبهم عواصف كادت تتقاذفهم في أكبر بلد عربي سني أثناء حكم الإخوان.
عندما أعلن سلطان ما يسمى بـ “طائفة البهرة” في مصر تأييده لثورة 30 يونيو، انتبه كثير من المصريين إلى أصحابها، وعندما التقى سلطانها مفضل سيف الدين سلطان بالرئيس عبدالفتاح السيسي قبل أشهر، لم يمر اللقاء مرور الكرام، بل أثار زوبعة في بعض الأوساط السياسية، وفتح الباب لعلامات استفهام حول تلك الطائفة، وأنشطتها والأهداف التي جاؤوا لتحقيقها في مصر، وأماكن تواجدهم وحقيقة مذهبهم الغامض ومدى تأثيره على نسيج المجتمع المصري.
أوساط مصرية كثيرة نظرت إلى لقاء سلطان البهرة برئيس الجمهورية، على أنه محاولة للحصول على شرعية سياسية، واستثمار الفرصة لممارسة شعائرهم الغريبة على المجتمع المصري بشكل رسمي.
مراقبون أرجعوا هذا القلق إلى أن سلطان البهرة خالف ما درجت عليه الطائفة منذ وجودها في مصر قبل سنوات طويلة، حيث كان أفرادها يمتنعون عن الانخراط في الشؤون السياسية ويعتنقون مبدأ ”التقيّة” ويبتعدون عن وسائل الإعلام، لكن على غير العادة أعلن رئيس الطائفة دعمه وتأييده لإرادة الشعب المصري، متمنيا له “التوفيق في المضي قدما لتنفيذ المشروعات الاقتصادية الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها مشروع قناة السويس الجديدة، وتنمية محورها”.
الثراء أحد أسلحة الطائفة في اجتذاب الفقراء واكتساب شرعية التحرك بين ثنايا أحيائهم المتشعبة
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى قيام رئيس الطائفة بتقديم مساهمة مادية لصندوق “تحيا مصر” للنهوض بالاقتصاد الوطني، قدرها عشرة مليون جنيه (مليون ونصف المليون دولار)، بعد أن كان البهرة يوجهون جل أموالهم إلى ترميم المساجد الأثرية والأعمال الخيرية.
والمذهب الإسلامي السني هو الغالب على نسيج المجتمع المصري، بالإضافة الى أن 10 في المئة من السكان أقباط (مسيحيون)، ولا توجد جماعات أو طوائف مذهبية أخرى مؤثرة. لكن ظهور بعض أنصار البهرة، دفع “العرب” للبحث في ذلك العالم المجهول، والتقصي عن أصل هذه الطائفة وطبيعة وجودها في مصر.
البحث عن المجهول
للوصول إلى معلومات من منابع الطائفة، أو دوائر رسمية لها توجهت “العرب” إلى “مكتب سلطان طائفة البهرة في مصر” بشارع سوريا في حي المهندسين الراقي بمحافظة الجيزة القريبة من القاهرة، وهو مكتب مختص بحل مشاكل أبناء الطائفة والتنسيق بينهم، لكن لم تستطع الحصول على أي إحصائيات تخص عدد هذه الطائفة، أو رصد ممتلكاتهم في مصر.
لكن أحد المصادر القريبة من الطائفة صرح لـ”العرب”، طالبا عدم ذكر اسمه، أن هناك حالة من الحذر في تحركات أعضاء الطائفة، وهذا يعود إلى أن معظمهم من رجال الأعمال.
وأضاف المصدر أنهم تفاءلوا مع تنامي الحديث عن “البهائية”، وهي مذهب يدين به بضعة آلاف من المصريين، بعد أن أخذت مسألة حرية العبادة لهم طابعا حقوقيا.
محمد برهان الدين زعيما روحيا يفتقده البهرة حول العالم
وكان البهرة يأملون بعد حصول “البهائيين” على حكم قضائي بحرية ممارسة شعائرهم، أن يحصلوا هم أيضا على قدر من الحرية في ممارسة طقوسهم، لكن صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم أصاب الكثير من أبناء الطائفة بالإحباط، فقرروا الانغلاق على أنفسهم خوفا من تعرضهم للاضطهاد.
وعقب الإطاحة بالإخوان وسطوع نجم السيسي، عاد التفاؤل إليهم مرة أخرى وبدؤوا يتوافدون على مصر، بعد أن هجرها عدد كبير منهم إلى الهند، المقر الرئيسي لطائفة البهرة، وزار سلطانهم مصر لأنها، بحسب ما أكد المصدر، “وطننا ولا نسعى لتركه. نحن لا نقوم بالتبشير كما يتهمنا البعض، وليس لنا أي طموح سياسي”.
وعندما سألته “العرب” عن عددهم، أوضح أنه من الصعوبة تقديم إحصاء محدد لأن هناك من يعتنقون المذهب ولا يفصحون عن ذلك خوفا من التعرض للمضايقات، لكن لا يتجاوز عددهم المئات في كل الأحوال حتى الآن في مصر، مشيرا إلى أن أحد الفنادق ويدعى “الفيض الحكمي” الذي يقع في منطقة الدراسة في القاهرة القديمة، هو مقر الطائفة الرسمي في مصر.
الفيض الحكمي
من بعيد يبدو الفندق بسيطا، لكن بعد الاقتراب منه يتضح أن له شكلا معماريا فريدا يتمازج فيه الأرابيسك المعشق مع لون الزجاج شديد الزرقة، ومحلى بأدعية دينية خاصة بـالبهرة. اما المركز الديني فيقع في منطقة الجمالية، القريبة من الدراسة، حيث يوجد مسجد الحاكم بأمر الله.
البهرة طائفة
* تستخدم السرية غطاء للاستمرار.
* لا تهتم بالسياسة الداخلية.
* لا تمتلك برنامجا تبشيريا واضحا.
* المال ضروري للتعايش في المناطق الفقيرة.
* الدخول تحت عباءة السياسيين من أجل البقاء.
يقع مسجد الحاكم بأمرالله في رحاب شارع المعز لدين الله الفاطمي، القريب من منطقتي الجمالية والدراسة، ويقف هذا المسجد شاهدا على الدولة الفاطمية (الشيعية) التي ولى زمانها منذ مئات السنين، لكن المسجد لم يندثر ولم ينقطع فيض زواره، ويعود الفضل في ذلك -على ما يبدو- لأبناء طائفة البهرة، الذين أعادوا للمسجد بريقه، وقاموا بتجديده على أحدث الطرز بعد الإهمال الذي عانى منه.
والدولة الفاطمية هي إحدى دول الخلافة الإسلامية، وهي الوحيدة من بينها التي اتخذت من المذهب الشيعي (ضمن فرعه الإسماعيلي) مذهبا رسميًّا لها، وأسست مدينة القاهرة واتخذتها عاصمة لها بين عامي 973 و1171.
ويقول محمد صالح، المؤرخ والخبير في شؤون مصر الفاطمية، لـ”العرب” إن البهرة “لفظ هندي قديم يعني باللغة الأوردية التاجر، وإن هذه الطائفة بمثابة امتداد لإحدى فرق الشيعة الإسماعيلية”.
ويبدو أن قادة البهرة يسعون دائما للوصول إلى قمة الهرم السياسي في مصر. ويقول محسن البنداري، مدرس التاريخ الذي يقيم بمنطقة الجمالية إن محمد برهان الدين، زعيم طائفة البهرة السابق، التقى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وبحث معه رعاية شؤون الطائفة، وبذلت الطائفة مساع لترميم المساجد التي تعود إلى العصر الفاطمي، وقاموا بتجديد مرقد السيدة زينب ومقصورة السيدة رقية وطلاء بعض أركانهما بالذهب والفضة”.
وفي عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، تناثرت في المجتمع المصري بعض الحكايات عن طائفة البهرة بعدما حاولوا انتزاع قرار رسمي بالإشراف على مسجد الحاكم بأمرالله.
لكن طموح البهرة لم يتوقف عند هذا الحد. ويقول الشيخ مأمون، أحد سكان المنطقة، إن البهرة هم من يقف وراء مشروع تطوير القاهرة الفاطمية، الذي تبناه فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق عام 1998، والذي كان يشمل إخلاء القاهرة الفاطمية من السكان، وعندما واجهت معارضة شديدة من أهالي الأحياء الشعبية القريبة من هذه المنطقة، عدلوا عن الفكرة واكتفوا بالترميم.
الستائر الخضراء تحجب جزيرة منعزلة من الطقوس الشيعية وسط محيط سني
ولا يبدو عادل سلام، المتخصص في الآثار، سعيدا بذلك. وقال لـ”العرب” إن “السماح لطائفة البهرة بترميم مسجد الحاكم بأمر الله أدّى إلى تشويه هذا الأثر الفاطمي، إلى أن خرج من تصنيف اليونسكو للمساجد الأثرية، بسبب أخطاء ساذجة، فعملية الترميم لم تتم بأسلوب علمي، كما أدت أيضا إلى خروج المسجد عن الطراز المصري المعروف للمساجد، وبدلاً من تجديد الأعمدة وإقامة ما تهدّم منها قاموا بتأسيس أكتاف للمسجد لكي تستمر طويلا وهو ما يمثل اعتداء على الأثر”.
واتفقت شيماء مفتاح، الخبيرة في شؤون الآثار الإسلامية، مع هذا الطرح. وقالت، والانفعال يبدو عليها بوضوح، إن وجود البهرة بمصر تقف وراءه أبعاد طائفية ودينية، “خاصة أنهم يقدسون الحاكم بأمرالله ويعتقدون أنه حي يرزق، وسوف يعود ذات يوم من خلال حائط موجود داخل مسجده”.
الستائر الخضراء
تعتبر صلاة المغرب يوم الخميس هي الصلاة المقدسة لدى طائفة البهرة، وعند حلولها يحاط مسجد الحاكم بأمرالله في القاهرة بستائر خضراء من جميع الاتجاهات، وتتوافد جموع المصلين على المسجد قبيل الآذان.
ويرتدي الرجال جلابيب قصيرة وسراويلا وطاقيات مزركشة، ويجلسون جميعا للوضوء، ليس في المكان المخصص للوضوء بل يتجمعون حول بركة ماء في صحن المسجد، وعندما ينتهي المصلون، يبدأ البهرة صلاتهم.
وتقول مراسلة “العرب” التي راقبت صلاتهم من بعيد “وجدت نفسي في حضرة مزار شيعي، لكن لم أستطع رؤية الطقوس بدقة، فهم عادة ما يختبئون خلف ستار ممنوع الاقتراب منه”.
وتضيف “رغم ذلك سمعت صوت ارتطامات قوية، فسرها لي أحد المرافقين بأنهم يلطمون على صدورهم، وبالرغم من أن أصواتهم كانت مرتفعة إلا أنني لم أفهم ما يقولون، فالصلوات كانت باللغة الأوردية.
وبعد الانتهاء (من الصلاة في باحة المسجد) رأيتهم يهرولون تجاه بئر في وسط المسجد، ويطوفون حوله ثم يجلسون في جانب من المسجد بعد ذلك”.
وكانت دار الإفتاء المصرية قد أدرجت طائفة البهرة ضمن الفرق الشيعية “الخارجة عن الإسلام” طبقا للفتوى الصادرة عنها في 1 أكتوبر 2013 على موقعها الرسمي.
ويقول نص الفتوى “إنهم طائفة تابعة للفرقة الإسماعيلية الشيعية التي تعتقد بأمور تفسد عقيدتها وتخرجها عن ملة الإسلام، والتي من أهمها الاعتقاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي أثناء فترة حياته وانتقلت الرسالة إلى الإمام علي رضى الله عنه”.
ويكمل “كما أنهم لا يعترفون بوجود الجنة والنار على الحقيقة بل ينكرون الحياة الآخرة والعقاب الأبدي ويعتقدون أن نهاية النفس بالعودة إلى الأرض مرة أخرى، ويرمزون إلى الجنة بحالة النفس التي حصلت العلم الكامل والنار بالجهل، ويقدسون الكعبة باعتبارها رمزًا للإمام علي رضي الله عنه”، بحسب الفتوى التي تم حذفها لاحقا من على الموقع الرسمي للدار.
ووصفت دار الإفتاء في فتوى أخرى صدرت بتاريخ 18 فبراير 2014، طائفة البهرة بأنها “فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين في عدم جواز أكل ذبائحهم، وعدم جواز الزواج من نسائهم”.
لكن دار الإفتاء لم تكن وحدها من هاجم البُهرة. فقد نشر علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في وقت سابق مقالا تحدث فيه عن علاقة الشيعة والتصوف.
وتطرق جمعة إلى الطوائف المنبثقة عن الشيعة بشكل عام، وقال إن “هناك فرقا أخرى متعددة من الشيعة منها ما تطرف في التشيع حتى خرج عن ربقة الإسلام بمزاعم مُكَفِّرة ومعتقدات باطلة، فمنها فرقة تزعم أن الإله قد حلَّ في علي وأولاده وأنه قد ظهر بصورتهم ونطق بألسنتهم وعمل بأيديهم، ومن هذه الفرق التي ضلت الإسماعيلية والبهرة، والدروز”.
ترانيم وشعائر
ويقول الشيخ عبدالجواد، صاحب متجر بجوار المسجد، أنه شاهد “احتفالاتهم بمولد زعيمهم محمد برهان، وكان ذلك فجرا حتى لا يشعر أحد بهم، وكان المسجد مزدحما بأبناء البهرة، ورددوا ترانيم مختلفة، وطافوا حول ضريح الحاكم بأمرالله، واعتبروا هذا السلوك بمثابة أداء لفريضة الحج، لذلك فهم يذهبون إلى هذا المسجد في توقيت معين كل عام لأداء هذه الفريضة، ثم يتدافعون ليشربوا من بئر في المسجد، معتقدين أن الحاكم بأمرالله شرب منها، بعدها يخرجون رافعين الرايات والأعلام في شارعي المعز لدين الله الفاطمي، والجيوشي القريب منه، ثم يعودون مرة أخرى إلى المسجد، ويوزعون الأموال على الفقراء”.
أما علي محمد، أحد المنتمين للتيار السلفي في مصر الذي يقطن بجوار المسجد ويراقب سلوك البهرة، قال لـ”العرب” إن “هؤلاء خارجون عن الدين، ولا يجوز الصلاة خلفهم ولا الزواج منهم، فهم يعتبرون أنفسهم مؤمنين وباقي الناس من المسلمين فقط لعدم اكتمال إيمانهم، وأركان الإسلام عندهم سبعة: الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية والطهارة، وفي صلاتهم يجمعون بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ولا يصلون صلاة الجمعة بل يصلونها ظهرا”.
كاردينيا