بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

عن أمير المؤمنين عليه السلام
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِساً1َجُذِبَ مُنْقَاداً سَلِسا 2 ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ 3 وَصَبٍ 4 وَنِضْوَ 5 سَقَمٍ تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ وَحَشَدَةُ الْإِخْوَانِ إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ 6 وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّاً لِبَهْتَةِ 7السُّؤَالِ وَعَثْرَةِ 8 الِامْتِحَانِ1.
1- متحيّراً ويائساً.
2- طائعا سهلا.
3- الكال، المتعب.
4- المرض والألم.

5- الهزيل والمراد من هذه الجملة أنه يلقى في النعش كليلا متعباً هزيلاَ قد أخذ المرض منه حتّى صيّره رمة بالية وهيكلاَ خاوياَ.
6- حال الميت في قبره حيث لا يزوره أحد.
7- الحيرة.
8- السقطة.


سؤال ولا مفرّ من الجواب!
بعد أن يوضع الإنسان في القبر، ويُهال عليه التراب وينقطع عنه الناس. تعود إليه الروح من جديد، ويستنطق بالسؤال، ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "كأن قد أوفيت أجلك، وقبض الملك روحك، وصرت إلى منزل وحيداً، فردّ إليك فيه روحك، واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمساءلتك، وشديد امتحانك"2.
وأمّا الأسئلة التي يوجّهها له الملكان منكر ونكير) فهي:
أ- مَن ربّك؟ ومَن نبيّك؟ وما دينك؟

ب- كيف كان عملك في هذه الدنيا؟
ففي الرواية عن الإمام زين العابدينعليه السلام: "ألا وإنّ أوّل ما يسألانك، عن ربّك الذي كنت تعبده، وعن نبيّك الذي أرسل إليك، وعن دينك الذي كنت تدين به، وعن كتابك الذي كنت تتلوه، وعن إمامك الذي كنت تتولّاه. ثمّ عن عمرك فيما أفنيته، ومالك من أين اكتسبته وفيما أتلفته، فخذ حذرك وانظر لنفسك، وأعدّ للجواب قبل الامتحان والمسائلة والاختبار"3.
النتيجة طبقاً للجواب
فإذا كان الجواب صحيحاً، ولا طريق للكذب هناك، فنتيجة ذلك نعيم مقيم إلى قيام الساعة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره، فإذا ادخل قبره أتاه منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيقول: ربّي الله، ومحمّد نبيّي، والإسلام ديني،
فيفسحان له في قبره مدّ بصره، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ويدخلان عليه الروح والريحان"4.
وأمّا إذا كان الجواب خاطئاً، فإنّ المصير كما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام:- بعد موت ابن أبي حمزة البطائني-: "إنّه أقعد في قبره فسئل عن الأئمّة عليهم السلام فأخبر بأسمائهم حتّى انتهى إليّ فسئل فوقف، فضُرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً"5.
صورة منكر ونكير
لا شكّ في أنّ لحظات السؤال سوف تكون صعبة للغاية على من لم يتهيّأ للجواب في هذه الدنيا، وسوف تكون سهلة يسيرة لمن كان حاضر الجواب في هذه الدنيا، ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فإذا أُدخل قبره أتاه ملكان وهما فتّانا القبر، يجرّان أشعارهما، ويبحثان الأرض بأنيابهما، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، فيقولان له: من ربّك ومن نبيّك وما دينك؟ فيقول: الله ربّي، ومحمّد نبيّي، والإسلام ديني، فيقولان: ثبّتك الله فيما تحبّ وترضى، وهو قول الله: ﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، فيفسحان له في قبره مدّ بصره، ويفتحان له باباً إلى الجنّة، ويقولان له: نم قرير العين نوم الشاب الناعم، وهو قوله: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ ـ وأنتنه ريحاً، فيقول له: أبشر بنزل من حميم، وتصلية جحيم، وإنّه ليعرف غاسله، ويناشد حامله أن يحبسه، فإذا دخل قبره أتياه ممتحناً القبر فألقيا عنه أكفانه، ثم قالا له: من ربّك؟ ومن نبيّك؟ وما دينك؟ فيقول: لا أدري! فيقولان له: ما دريت ولا هديت، فيضربانه بمرزبة6 ضربة ما خلق الله دابة إلّا وتذعر لها ما خلا الثقلين7، ثمّ

يفتحان له باباً إلى النار، ثمّ يقولان له: نم بشرّ حال. فهو من الضيق مثل ما فيه القنا من الزج حتّى أن دماغه يخرج"8.
ـ
الصلاة باب لحضور الجواب
ليس حسن اللسان والتعلّم على أساليب الكلام هو الذي يجعل الجواب حاضراً عند سؤال القبر، فإنّ ذلك العالم عالم الحقائق والواقع، لا مجال فيه للاحتيال والفرار، بل الذي ينفع الإنسان في ذلك اليوم هو العمل الذي أدّاه في هذه الدنيا، وأهمّ تلك الأعمال هي الصلاة، فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادقعليه السلام: "إذا دخل المؤمن في قبره كانت الصلاة عن يمينه، والزكاة عن يساره، والبرّ مطلّ عليه، ويتنحّى الصبر ناحية، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبرّ: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فأنا دونه"9.
إنّ الصلاة التي هي عمود الدين، وهي معيار قبول سائر الأعمال، لا بدّ وأن تكون أوّل ما يسأل عنه العبد، فقد ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل ما سواها"10.
ـ الصلاة المثمرة
لم يشّرع الله عزّ وجلّ الصلاة إلّا لحكمة ومصلحة، والله غنيّ عن العالمين، فالمصلحة ترجع إلى العباد، وثمرة الصلاة ترجع إلى صلاح آخرة عباد الله، وهي إنّما تؤتي ثمارها إذا قام بها العبد على وجهها، بأن حافظ على باطنها كما يحافظ على ظاهرها، فكما يهمّك أن تأتي بالصلاة وأن لا تتخلّف عن أدائها، عليك أن تهتمّ بالإتيان بها على ما أراده الله عزّ وجلّ، بأن تستحضر قلبك في هذه الصلاة، وذلك بالانصراف عن التفكير في الأمور الدنيويّة أثناء الصلاة، لتفكّر في ما أخبر عنه الإمام

الرضا عليه السلام من علّة تشريع الصلاة، حيث يقول عليه السلام: "إنّها إقرار بالربوبيّة لله عزّ وجلّ وخلع الأنداد، وقيام بين يدَيّ الجبار جلّ جلاله بالذلّ والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كلّ يوم خمس مرّات إعظاماً لله عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطر، ويكون خاشعاً متذلّلاً راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا، مع ما فيه من الإنزجار والمداومة على ذكر الله عزّ وجلّ بالليل والنهار، لئلّا ينسى العبد سيّده ومدبّره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً من أنواع الفساد"11.
فالصلاة التي لا يُقبل بها الإنسان بقلبه إلى الله عزّ وجلّ قد تسقط الواجب عنه، فلا يحاسب على تركها ولكنّها لن تكون شافعة له عند سؤال منكر ونكير، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "يا كميل! ليس الشأن أن تصلّي وتصوم وتتصدّق، إنّما الشأن أن تكون الصلاة فُعلت بقلب نقيّ، وعمل عند الله مرضيّ، وخشوع سويّ"12.
---------------------------
هوامش
1- نهج البلاغة، الخطبة، 83.
2- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 3 ص 2479.
3- الكافي- الشيخ الكليني- ج8 ص73.
4- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج6، ص222.
5- م. ن، ج6، ص242.
6- مطرقة من حديد.
7- الإنس والجن.
8- بحار الأنوار - العلّامة المجلسيّ - ج 6 ص 226.
9- ميزان الحكمة - محمّد الريشهري - ج 3 ص 2480.
10- م.ن، ص 1630.
11- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ص 1631.
12- م.ن، ص 1632.