قطار العمر
قطار يحتفظ كل منا بتذكرة مجانية لإرتقائه ليس لتلك التذكرة ثمن سوى انك مجبر على تنفيذ ما قد نصت عليه , فتبدأ رحلتك على متنه رغم انك تعلم ان وجهتك مجهولة ويقودك قائد مجهول , تفعل ذلك ليقينك ان لا مناص من خوض تلك الرحله , لربما تستهويك اماكن تراها من نافذة عربة قد خصصت لك فتهفو روحك لتقضي بعضا من اوقات عمرك فيها وتتوق قدماك لتلامس اراضيها ولكن قطارك يمر عليها مسرعا ويتركها ذكرى حلم في نفسك , أتحزن لذلك ام لن تبالي؟! أيقن بحقية ان حزنك لن يرغم القطار على ان يعود نادما ليرمي بك في احضان تلك الاماكن , وان اخترت نهجا ان لا تبالي فبذلك انت تجمد شعورك وبالتالي طموحك , فلا هذا ولا ذاك يصلح للمسير على اثره , وليكن نهجك ايداع تلك الذكرى وردة حمراء يانعة في أجمل خزائن الذاكره , ولا بأس ان ترى للذكرى خيالا في كل ارض يقطعها قطارك ولكن أحِلها روحا خضراء ترافقك في حلك وترحالك , حلما منيرا يلوح في افق الظلام فيجذبك اليه بقوة ووهجه يقيك من التخاذل , فإن اسندت الآمال على محطة منتظرا ان يمر بها ذاك القطار الذي ليس بإختيارك مسيره فتلك جدران متداعية لا تقي ما قد اسندت عليها ويضحي تداعي ما قد خشيت تداعيه وشيكا , فقطار العمر لا يتوقف على محطة واحدة فقط بل ان له محطات متتالية مختلفة المعالم , وان طال وقوفه في احدى المحطات دون الاخرى فلا يعني ذلك استمرار بقائه فيها مدى الحياة , فاذا توقف القطار الذي ترتقيه على محطة الحزن ذات يوم فترقب محطة البهجة بل توقعها ان تكون التاليه , وان توقف على محطة اليأس فترقب محطة الامل , وتذكر ان هناك محطات لا بد من مرورك بها لأنها السبيل الوحيد كي تصل للنهاية .
دقق البصر حولك في الجالسين سترى شيوخا مر بهم القطار على العديد والعديد من المحطات فما عادت توقفاته الحاليه تغير من مفاهيمهم شيئا , وتحولت نظراتهم الحالمة الى نظرات صارمة تفيض بمعاني الخبرة المريرة , سترى فقراء ينتظرون محطات البؤس ويترقبون احداثها بصبر فارغ وان مرت بهم محطات البهجة اشاحوا بوجوههم عنها , لا لشيء انما فقط يأسا منهم بتغيير الواقع الى افضل , وآخرين أهداهم الدرب محطات بهيجة طالما تمنوها فانشغلوا عنها وحين تعداها قطارهم نصبوا خيام الندب والتفجع على ما قد سلف متناسين غفلتهم .
تأمل حولك خارج القطار سترى الاشجار هي ذاتها بخضرتها وشموخها مهما تغيرت نظرتك للحياة , والورد لن يفقد عبيره ان انتابك القنوط , وكذلك لن يتعكر ماء النهر بتعكر مزاجك , فإن كنت تظن ان العالم سيعلن الحداد لبؤسك فأنت حينذاك ستكون بأتم الحاجة لتسليط الضوء على مفاهيمك من جديد , فلن يتأثر بشعورك ذاك سوى داخلك , روحك التي مالها سواك , فاعمل جهدك لتألفها وتقدم لها موائد من السرور لتمنحك بدورها غد افضل , انها اداتك لتحقيق جميع احلامك , وان حدث و تغلغل الحزن في ثناياها ستتعطل تلك الأداة وتضحي انت نفسك جمادا تفتقر للقدرة على الاقدام حيث انك قد عطلت المحرك الذي يحرك كل اجزاءك , فلا تقل بعد هذا قد فاتني القطار , كلا لم يفتك القطار بل انك جلست على رصيف المحطة الخطأ منتظرا مرور القطار الصائب .
بقلمي : نور ضياء