مِن أعظم نعم الله علينا نعمة الطعام! وإن كثيرًا من الناس ليعتبرون طعامهم من المسلَّمات التي لا تستحقُّ حمدًا خاصًّا، أو يُعِدُّون الطعام شيئًا بسيطًا لا يستوجب الحمد، والأمر في الحقيقة خلاف ذلك؛ ولقد حَذَّر الله عز وجل عباده من جحود نعمة الطعام؛ فقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل: 112]، فكان الجوعُ عقابًا لـمَنْ لم يُقَدِّر نعمة الشبع؛ لهذا كان من سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله عقب الانتهاء من الطعام مباشرة، وكان يُعْلِن هذا الحمد حتى يُذَكِّر به أهل بيته والآكلين معه، وحتى يُذَكِّر نفسه كذلك بفضل الله عليه؛ وكانت له صلى الله عليه وسلم صيغ متعدِّدَة في هذا الحمد؛ وكان منها ما رواه البخاري عَنْ أبي أمامة رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا".


وغير مَكْفِيٍّ أي غير محتاج لخلقه؛ بل هو الذي يكفيهم، وغير مُوَدَّعٍ أي غير متروك؛ بمعنى أنني لن أترك حمدك أبدًا، وهذا خطاب خاشع لله عز وجل يُعَبِّر عن امتنان العبد له سبحانه إذ أنعم عليه بالطعام، فلْنحرص عليه، ولْنتدبَّر في معانيه التعبُّدِيَّة، فإن فيه من الخير ما فيه.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

د/ راغب السرجاني