إعدام الشهيد
سهير جرادات
لأول مرة في تاريخ الإنسانية ، يصدر قرار بهدر دماء الشهداء من مقاتلي الجيش العربي الأردني، ممن حاربوا واستبسلوا في الدفاع عن أولى القبلتين وثالت الحرمين وإعدام كل من استشهد قبل 66 عاما ، من خلال الإصرار على إبرام اتفاقية شراء الغاز من الكيان الصهيوني الذي قتل هذه الثلة من المقاتلين البواسل .
طوبى لكل فرد من أفراد الجيش العربي الأردني البواسل ممن قاتلوا و استشهدوا دفاعا عن عروبة الأرض ، سلام على كل قطرة دماء أريقت على أرض وثرى فلسطين ،وما كان منا وللأسف، إلا أن نكافئهم على كفاحهم ، ودونما حياء أيدنا الكيان الصهيوني ودولته من خلال عقد اتفاقيات السلام الوهمي،وزدنا على ذلك بدعمهم بشراء الغاز منه .
بغض النظر عن تلك التسريبات الإخبارية التي تصدر عن العدو المغتصب بأن الاتفاقية أبرمت وأن التوقيع قد تم ، وأن ما يجري تحت القبة مجرد تمثيليات للحصول على موافقة شعبية على شراء الغاز من قبل ممثلي الشعب ، الذين لوح عدد منهم بالاستقالة ، لو اتفقنا على أن غالبيتهم كانوا خيارنا،إلا أننا لن نغمض أعيننا عن مثل هذا القرار الذي يسيء للشهداء ولتاريخنا المشرف.
كيف سنواجه من بقي من القلة الباقية من جيشنا البواسل الذين دافعوا من منطلق عروبتهم عن أرض الإسراء والمعراج ؟وكيف ستواجهينهم أيتها الحكومة وبأي الأعذار ستقنعينهم ؟.
هل ستعتذرين أيتها الحكومة عن دمائهم أو ستنكرين عليهم حميتهم وعزة نفسهم وإقدامهم على الدفاع عن أرض مسرى الرسول الكريم ، ماذا ستقولين إلى أولاد وأحفاد من استشهدوا أو قاتلوا على أرض فلسطين بعد أن ارتحلوا .... عذرا فقد تغيرت الظروف والأحوال ، ولم يعد شهيدكم شهيدا ، ولم يعد مقاتلكم بطلا ، ولن نسمح لكم بعد اليوم الاضرار بمصالح بلدنا، ولا يحق لكن أن تكنوا بأبناء الشهداء أو أحفادهم..
عن أي شهيد تتحدثون .. فنحن أمام تحول تاريخي نفتخر فيه بشهداء عقد الاتفاقيات .. ونمجد ونكرم من يضع يده بيد العدو المغتصب .. وفي زمن نفاخر به بعداوتنا لأنفسنا وديننا، ونلهث خلف العدو إرضاء له .
عذرا أيها الشهيد فدمك الزكي، لم يعد يشبع أبناء هذا الوطن خبزا ، ولم تعد تشعرنا دمائكم بالدفء .. فالدفء يحتاج إلى الغاز، لا إلى الشهادة، بعد أن أصبحنا في وقت لم يعد وقود الانسان الكرامة، التي لا ينقصها سوى المروءة وعزة النفس..
عذرا أيها الشهيد؛ فصفقة الغاز أهم وأغلى من دمك،بعد أن أصبحنا مسيرين، ولسنا مخيرين،نعتمد على العدو كليا، ليصبح ولي الدفء لدينا، ندعم اقتصاده وسياسته ، ونصبح اتباعا وأبناء مرضيٌ عنا من قبله ، لأن يده وللأسف هي الطولى .
عذرا أيها الشهيد؛ فنحن نعاني من مشكلة في مصادر الطاقة .. وعليك أن تتفهم الأمر ، وما علينا سوى أن نتآمر على دمك، وأن نريقه مرة أخرى إرضاء لأعدائنا ومصالحهم ..
ماذا ستفيدنا من دمك أيها الشهيد ؟ فلو كانت جدوى من ورائه لما استغني عنه الفاسدون ، بل أنهم سيحرصون على شفطه وامتصاصه كما شفطوا خيرات البلاد والعباد حتى آخر قطرة ، ولجمعوا بقايا التراب الذي ارتوى من دمك الطاهر، وباعوه في المزاد العلني في أسواق الكرامة وعزة النفس!! .
عليك أن تعترف أيها الشهيد، أن هناك شيئا أكبر وأعظم من دمك،لا وبل أغلى منه ، لم يفصح عنه بعد .. وحتى يحين ذلك الوقت الذي سيكشف عنه بعد مرور المدة القانونية عن الوثائق السرية، سنبقى دونما حاجة إلى دمك وسيتم تعليق التفاخر به ، إلى أن يحين الوقت لنعرف الحقيقة.
بما أن الاتفاقية تقضي بوصول الغاز إلينا بعد ثلاث سنوات، فإنه بالإمكان الانتظار 25 عاما لمعرفة القصة الحقيقية لهذه الصفقة .. ونقدم لمغتصب قبة الصخرة المشرفة، رقابنا الرخيصة فداء لدماء شهدائنا الذين قدموا أرواحهم دفاعا عن العزة والكرامة.
انتهت كل الخيارات أمامنا، ولم يتبق سوى دمك، أن نستبيحه، ونعدمك بعد الشهادة، رغم أنه ما زال أمامنا الوقت للبحث عن مصادر للطاقة خلال انتظارنا لغاز العدو،إلا أن الفاسدين الناهبين لخيرات الوطن لا وقت لديهم، والزمن لا يسعفهم ، والاتفاقية التي تضر بمصالح الوطن بالنسبة لهم قضية وجود، وليست قضية مبدأ وكرامة وسيادة.
لماذا الآن ؟ ولماذا الافصاح عن هذه الاتفاقية في الوقت الذي تجري فيه العديد من التحالفات والاتفاقيات مع العدو في الخفاء؟ هل هي رسالة لنا بعد اللعب على وتر العواطف بأن التعاون والتعامل مع الكيان المحتل أمر واقع ومفروض علينا في الظروف الجديدة المحيطة بنا؟
ونبقى بانتظار ما وراء هذه الاتفاقية ؟
وحتى يحين ذلك الوقت لنتعرف على الاجابات ، لا حيلة لنا سوى التضرع إلى الله العلي القدير أن يتقبل شهداءنا الأبرار ويجعل مثواهم الجنة..