وضَّح لنا ربنا عز وجل في كتابه الكريم أن مَنْ كان يرجو اللهَ واليومَ الآخر فعليه باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، واتخاذُ الرسول صلى الله عليه وسلم أسوةً يكون في كل الأمور، وأعظمها الصلاة؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البخاري عَنْ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه-: ".. وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي..".


وهذا الاتباع يكون في شكل الصلاة ومضمونها، وفي أدقِّ تفاصيلها، وكان من ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضع يديه على الأرض في السجود بصفة معيَّنة يُسَنُّ لنا أن نُقَلِّدها تمامًا؛ فكان من هذه الصفة أنه يضمُّ أصابع اليدين ولا يُفَرِّجها؛ لما رواه ابن حبان -وقال الألباني: صحيح- عَنْ وَائِلِ بنِ حَجَرٍ رضي الله عنه "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ".


وكان لا يفترش يديه صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه لا يجعل كوعه يلمس الأرض؛ بل يرفعه عنها؛ فقد روى البخاري عن أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قال: ".. فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا..". وروى مسلم عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ: ".. وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ..".


وكان يُباعِد بين يديه وجسمه، فلا يلصق الساعدين بالبدن؛ وذلك لما رواه مسلم عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ وَضَحَ إِبْطَيْهِ". قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَيَاضَهُمَا.


وكان يضع كفيه على الأرض في حذو الكتفين، فلا يتقدَّم بهما إلى مستوى الرأس، ولا يرجع بهما إلى مستوى الصدر؛ لما رواه أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: ".. ثُمَّ سَجَدَ فَأَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ..".


فهذه صورة يديه وذراعيه صلى الله عليه وسلم في سجوده؛ فعلينا أن نقتدي بها، ولنا في كل جزئية منها حسنة، فلا تتركوا منها شيئًا.


ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

د/ راغب السرجاني