أنوار الأذكار
أسألك العفو والعافية
د.مأمون فريز جرار
للإنسان في هذه الدنيا حاجات يسعى إلى الحصول عليها ، وأمامه مخاوف ومخاطر يسعى إلى اتقائها ،وإذا كان الإنسان المسلم يخطط ويفكر ويدبر ويسعى فإنه يتذكر أن له ربا بيده أمر كل شيء ، ولذلك يقدم في أول نهاره بين يدي تفكيره وسعيه ذكر الله تعالى ودعاءه بكل ما يجلب له الخير ويدفع عنه الضر،
ومن الأدعية المأثورة عن نبينا عليه وآله الصلاة والسلام هذا الدعاء الذي رواه أبو داود وابن ماجه وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو حين يصبح وحين يمسي بهذه الدعوات :
اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي
اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي
اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي
إننا في هذا الذكر بين سؤال واستعاذة
السؤال : العفو والعافية ، وفي العفو صفح وتجاوز ومغفرة ومسامحة ، ومن نال عفو الله تعالى فقد فاز .
والعافية : السلامة من الآفات والبلايا بكل أنواعها
والعفو والعافية طلبا في هذا الذكر مرتين ، المرة الأولى على الإجمال : في الدنيا والآخرة ، ولا يخفى أن العفو والعافية في الآخرة يعنيان الستر والمغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار
والمرة الأخرى التي طلب فيها العفو والعافية : جاء فيها تفصيل ، فهما مطلوبان في الدين والدنيا والأهل والمال
ومن سلم له دينه استقام وتيسرت له سبل الطاعة ، وإذا كان البدن يمرض فإن دين بعض الناس يمرض ويهزل وقد يموت
ومن عوفي في دنياه أمن في كل أمر من امور حياته
وقد جاء تخصيص الأهل والمال من أمور الدنيا لأنهما أهم شيء فيها ، فمن سلم أهله من المرض والأذى ومن الانحراف والضلال فقد نال السعادة والأمان ،
ومن سلم له ماله من الآفات: من الهلاك والسرقة وغير ذلك فقد نال الطمأنينة
إن من يتحقق له سؤاله بالعفو والعافية يأمن ويسلم ويطمئن ، وما أعظمه من طلب ، وما أجمل أن يتحقق
وبعد ذلك تأتي مطالب أخرى تمثل مخاوف لدى الإنسان يستعيذ بالله منها
إن مما يخاف منه الإنسان في حياته : الفضيحة والخوف ، فمن فضح سقطت منزلته ، وضاعت هيبته ، ومن الذي يحب أن يطلع الناس على عوراته ؟ والعورة موضع خلل في حياة الإنسان ، وهي النواقص التي تكون منه ،ومن الذي يستطيع العيش وهو في خوف من أذى يتوقع أن يحل به من عدو متربص أو خصم عنيد
اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي
والروعات جمع روعة ، وهو الخوف الناتج عن أمر يثيره .
إننا أمام مسائل فيها طلب الوقاية من الشرور الكبيرة التي تحول الحياة إلى جحيم ، ولذلك يأتي اللجوء إلى جناب الله تعالى وطلب الستر منه ، وطلب الحفظ الشامل المحيط الذي لا يجعل للخصم منفذا ، ولا للشرور مدخلا ، ومن كان عليه من الله حافظ وقي وهدي وأمن وسلم
وقد جاء طلب الحفظ في هذا الدعاء ليشمل الجهات الست التي يمكن أن يأتي منها سبب للخوف أو يصيب الإنسان من جهتها أذى : اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ولكن جاء الحديث عن الوقاية من تحت في أسلوب خاص مختلف : وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي والاغتيال هو القتل بطريقة خفية باستدراج من يراد قتله ، ويبدو أن الإنسان يستطيع التنبه إلى ما حوله ومن فوقه ولكنه قد يغفل عن الكيد الخفي من تحته
في هذا الذكر وفي كل ذكر وقاية وحماية ، وفي الذكر استنارة للقلب والعقل ، وفي الذكر تربية للنفس وتذكير لها بالخير ولجم لها عن الشر ، ولذلك جاءنا هذا الهدي النبوي ضمن أذكار الصباح والمساء ليكون لنا حصنا نتقي به الشرور ، وموردا نستمد منه الأنوار التي تعين على كل خير