كان يا ماكان في هذا الزمان ملك يريد الأمان، فذهب لحكيم مستنير يمنحه حكمة تنير دربه وتساعده أن يكمل مشواره في السراء والضراء، الغنى والفقر، الصحة والمرض، النجاح والفشل والموت والحياة.
أعطاه الحكيم خاتمه وطلب منه أن لا يفتحه إلا حين يكون بحاجته... فالكنز الحقيقي ينفع وقت الحاجة... وقال له افتح الخاتم حين تضيق بك الدنيا وانزع جوهرته الأمامية لترى الحكمة بداخله والجوهرة الحقيقية...
ومرّت الأيام والسنين أسرع من أي حدود وجاء اليوم الموعود. في هذا اليوم المحتوم وجد الملك نفسه مهزوم: حلّ بمملكته البلاء وهزمه الأعداء ففرّ هارباً إلى الغابات والجبال ليحتمي من قهر الرجال... وبعد مدة من الهرب أصابه التعب فلا بد من راحة للإنسان وللحيوان وها هو حصانه تعبان يعاني من جروحه والملك يعاني جروح جسده ونفسه.
وشعر الملك باقتراب النهاية باقترابه من وادي سحيق بعث في نفسه خوفاً عميق ويقيناً أكيداً بأنه لا مفرّ... هاهو يسمع صهيل أحصنة أعدائه، هاهي خطواتهم تقترب مهددة بقائه وحياته.
فجأة زارته الذكرى، فتذكر وفتح الخاتم، أزال جوهرته الفريدة متلهفاً لبريق جوهرته الحقيقية...
فتح الخاتم ووجد ورقة وحيدة كُتبت عليها جملة مميزة واحدة: "دوام الحال من المحال"...
حين قرأ الملك العبارة شعر بسلام وهدوء يسري في كيانه ويحتل قلبه ووجدانه.
لم يدُم الانتظار كما لا يدوم أي حال، فبعد لحظات ابتعد صوت الخطوات وضلّ الأعداء الطريق فارتاحت نفس الملك ورحل ما بقي في قلبه من ضيق...
عاد لمملكته وجمع جيشه فحارب واستعاد مملكته فاستقبله شعبه بالورود والأزهار تكلل مجد المحارب المغوار. حينها تسلل إلى نفسه الاستكبار... وما أن شعر بالأنا تحاول الوقوف حتى استذكر ذكرى الحكيم النافعة بأن دوام الحال من المحال... فكل شيء إلى زوال وفناء فاختفت الأنا ولم يعد لها بقاء.. حينها علم أن مجده وقوته، هزيمته وضعفه، ما هي إلا لهو ولعب.
ومنذ ذلك الحين وعلى مرّ الزمان وفي كل أوان، كانت وأصبحت وستبقى حكمة دوام الحال من المحال تتردد في قلب كل حيّ استسلم لحكمة الكون وأفلتَ من ألعاب العقل والأحلام ومن كلامه المعسول المليان أوهام...
والآن لندع قلوبنا تردد بصمت وتهمس: دوام الحال من المحال