في أحد الأيام جاء رجل إلى الدّير، فقال له رئيس الدّير: هناك قانون واحد لا غير يدير هذا الدّير: الكلام هنا مرّة واحدة فقط كل سبع سنوات بالتمام...
رضي الرَّجل ومضى ليرى غرفته... فقال لنفسه: يا الله إنها غرفة صغيرة جداً، لا تكاد تكفيني لأنام... وزجاج النافذة مكسور أيضاً... والله هذا حرام؟؟... هطل المطر... تسلل الماء إلى الغرفة، بلل ثيابه كلّها... تحمّل البرد والزّكام ولكن دون كلام...
وهكذا طوال سبعة أعوام تعايش مع المطر الذي دمّر فراشه وخرّب معاشه... بعد مرور سبعة أعوام انطلق راكضاً إلى رئيس الدير صائحاً وغاضباً: أعطيتني غرفة شباكها مكسور ودفئها مهجور... عانيت البرد والمطر حتى أصبحت بالماء مغمور... وبالغم أغور وأخور...
قال له رئيس الدّير: كفاك شكوى كفاك... سنغير الشباك... عُد فوراً إلى غرفتك ولسبع سنوات أخرى لا كلام حتى تكون من النسّاك...
تم تغيير الزجاج المكسور... وعندما كان عائداً إلى غرفته تذكر فراشه الذي افترشه العفن... والحشرات من حوله تدور والفئران تدور بسرور... ولكن الآن عليه الانتظار سبعة أعوام بلا كلام...
بعد مضي سبع سنوات مضى إلى رئيس الدير يبكي ويشكي وبدأ يحكي... الشباك تغيّر، ولكن نسيت أن أخبرك أن الفِراش مفروش بالعفن... الفَراش والفئران والصراصير حوّلت غرفتي إلى مكان للمسير...
أرجوك أبعد هذا الفِراش النتن الآن وكل تلك الحشرات والفئران قبل أن أصاب بالهذيان...
أجاب صاحب الدّير: لك ما أردت يا سيّد المكان...
ولكن لا تأتي إليّ إلا بعد سبع سنوات من الزمان...
تم إبعاد الفِراش وإزالة الحشرات والفئران من المكان.. ولكن عند إحضار الفِراش الجديد، كان كبيراً جداً... دفعوه بقوة فأصبح الشباك في خبر كان... يا ما كان..!!!
الآن طفح الكيل... هل يمكن له أن ينجو سبع سنوات أخرى مع كل هذا الويل!! هذا ما كان... نجا وإلى رئيس الدّير مضى ساعياً اللقا... حالما اقترب منه قال له رئيس الدّير أمام الملأ: لا تتكلم بكلمة واحدة... منذ أن أتيت إلى هذا الدّير لم أسمع منك سوى الشكوى تلو الشكوى دون أي جدوى... اخرج حالاً ولا تعد إلى هنا...
قبل أن ينطق بأي كلمة أتته اللكمة... طُرِد خارج الدّير... يا لها من صدمة... بعد واحد وعشرين عام هذه هي جائزة نهاية الخدمة..!!!
هذه الحكاية الطريفة الخفيفة تحكي لنا عن مرارة الأوامر...
مع الأوامر نبقى في دائرة النفس الأمّارة... في وهم الإمارة والأفكار المارّة...
دون أي إشارة أو بشارة نور في المنارة...
بإتباع خطوات الغير نبقى أتباع بلا إبداع ولا إشعاع...
مع الأمر والفرض يفر الفيض ويختفي النبض...
أصغِ لنبض قلبك... وشق طريقك بنفسك لتكن نفسك...
عندها تقرأ كتابك وتحيى أمانتك... من الأمين وإلى الأمين... آمين...