كان لحكيم في قديم الزمان خادم يجلس قريباً من باب الدار باستمرار
وكان لهذا الخادم عادة غريبة تثير التعجب والسؤال
فقد كان يعدّ أبقار القرية المارّة على طريق الدار ذاهبة إلى النهر أو المرعى باهتمام وانشغال
ومع أنها ليست أبقاره إلا أنه كان يجلس على باب دار سيده يعدّ ويعدّ ويعدّ ولا يترك هذا الأمر إلا في حال طلب منه سيده شيئاًَ ما
وإلا فإنه ينسى نفسه جالساً طوال اليوم يواصل واجبه الذي فرضه على نفسه
في العد والحساب
ثم يأتي الأمر الأعظم من هذا وهو أنه كان أيضاً ينتظر عودة الأبقار عند الغروب كي يعدّها ثانية كما فعل في أول الشروق
فإذا ظهر أن عدد الأبقار لم يكن كما كان في أول النهار فإنه يصبح قلقاً ولا يستطيع النوم حتى الصباح
هذا الأمر كان يحدث يومياً والحكيم يراقب تعب الخادم وجزعه وقلقه، والمثير في الأمر أن هذا الحكيم كان يسأل الخادم يومياً:
هل لديك بقرة من بين كل هذه القطعان من الأبقار؟
فيجيب الخادم: إنك تعلم يا سيدي أني فقير ولا أملك بقرة واحدة...
فيواصل الحكيم سؤاله: إذن لماذا تعدّها صباحاً ومساءاً، ثم إذا فُقدت واحدة يتملكك القلق ولا تستطيع النوم حتى الصباح... لماذا وهي ليست أبقارك؟
الآن نحن نقرأ هذه القصة ونضحك في داخلنا على هذا المسكين ولكن هل تعلمون أننا كلنا نفعل ذلك بدون وعي منا ؟!
نعم نعدّ أبقار الغير ونقلق بشأنها وليست لدينا أي واحدة
تسألون كيف ذلك؟
كل المعلومات التي نحشو رؤوسنا بها، وكل العلم الذي ندّعيه ونعدّه ونكرّره من أرقام وأسماء وعلوم وآداب هي كعدّ أبقار الغير... نظن أننا بِعَدّها قد عرفنا وأدركنا وفهمنا.
أما آن الأوان لأن نترك التبجح بالشهادات والدرجات العلمية ونترك فكرة أنها هي الوسيلة والحقيقة التي تساوي التجربة والاختبار في هذه الحياة؟
أما آن الأوان لأن نسأل لماذا نبدو قلقين متعبين وتعساء؟
فلنحاول أن نقترب من أنفسنا وأن ندخل مدرسة الحياة...
مدرسة التواصل مع الأخ مع الجماعة مع السماء والزهرة والنهر والحيوان...
مع العلم النافع الذي يُقرّبنا من أنفسنا وأسرارها
إذن فلندخل هذه المدرسة ولا نحاول أن نبدو حكماء قبل التجربة والاختبار