بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



قال الشاعر اللاهوري محمد إقبال:
والمجد يُشرق من ثلاث مطالعٍ**في مهد فاطمة، فما أعلاها
هي بنت مَنْ؟ هي زوج مَنْ؟ هي أمّ مَنْ؟**مَنْ ذا يُداني في الفَخَار أباها؟!
هي ومضة من نور عين المصطفى**هادي الشعوب إذا تروم هداها
رشحة:
عن النبي(ص): "فاطمة حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة ابنتي فاطمة"1.
وقال الطبراني: "وكان يشمّها أي فاطمة ويقبلها يقول: أشمّ منها رائحة الجنة"2
.


ـ السلوك النبوي مع فاطمة عليها السلام:
إنّ المنزلة التي بيّنها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة، ليست من قبيل المواساة والتعزية لفاطمة التي فقدت أمّها وهي بنت خمس أو ست سنين، ولا هو من قبيل الدلال والغنج اللذين يغدق بهما الآباء على أولادهم، لا سيّما على البنات. ولا هو من قبيل المداراة والمراعاة للمشاعر والظروف التي مرّت بها؛ وذلك بعد وفاة الوالدة، كالحصار والعزل في شِعَب أبي طالب، ثم الظلم والاستبداد ومحاولاتا لإذلال التي كان النبي(ص) ومن آمن معه، ومن ضمنهم فاطمة، يعاينونه ويتعرّضون له إنما هو بيان لواقع في فاطمة، بيان وكشف لبعضٍ من جوهر فاطمة عليها السلام؛ حيث إنه(ص): «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»3. وهذا يؤكّد أنّ كلّ ما كان يقوله(ص) بحقّها من فضائل ومناقب، إنما هو حقيقة لا شكّ فيها.

ـ الحوراء الإنسية:
مضافاً إلى الحديث الذي تصدّر الخطبة عن أمالي الصدوق، والحديث الذي ذكره الطبراني، فإنّ هناك عشرات الأحاديث الواردة من طرق الفريقين. ونحن هنا، نريد للاختصار وبعث الطمأنينة في نفس القارئ أن نقصر إيراد الأحاديث على ما ورد من طرق الإخوة العامّة، وبعضها ما ورد معتبراً عن طرقنا.
فعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله(ص): "إني لمّا أسري بي إلى السماء، أدخلني جبرائيل الجنة، فناولني منها تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في قلبي. فلمّا نزلت، واقعت خديجة، ففاطمة هي تلك النطفة، وهي حوراء إنسيّة؛ كلّما اشتقت إلى الجنة قبّلتها"4.
وعن ابن عبّاس، قال: "كان النبي(ص) يكثر قبل فاطمة أي تقبيلها فقالت عائشة: يا نبيّ الله، إنك تكثر تقبيل فاطمة. فقال النبي(ص): ليلة أسري بي، دخلت الجنة فأطعمني من جميع ثمارها، فصار ماء في صلبي، فحملته خديجة بفاطمة. فإذا اشتقت إلى تلك الثمار قبّلت فاطمة، فأصيب من رائحتها تلك الثمار التي أكلتها"5.
وعن أبي عبد الله الصادق عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله(ص) قال: "فاطمة حوراء إنسيّة، قالوا: يا نبيّ الله، وكيف هي حوراء إنسيّة؟ قال: "خلقها الله عزَّ وجلَّ من نوره قبل أن يخلق آدم"6.

ـ فاطمة عليها السلام نور لأهل الأرض:
ومن آثار هذه الحوراء الإنسيّة، أنّ لوجهها وضاءةً خاصة، وأنّ نورها يشعّ لأهل اليقين، من أهل الإيمان ومن المحبّين، وقد قرأنا ممّا يدلّ على ذلك الكثير. منه ما رواه المحدّث الجليل أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل، سوف نأخذ منه فقط موضع الشاهد. قال أبان: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا بن رسول الله، لم سُمّيت الزهراء زهراء؟ قال: "لأنها تزهر لأمير المؤمنين في النهار ثلاث مرّات بالنور: كان يزهر تنور وجهها صلاة الغداء الصبح والناس في فراشهم... فإذا انتصف النهار وترتّبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام... فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمّر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكراً لله... فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام، فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة من أهل البيت إمامٍ بعد إمام"7.
وعن أمّ المؤمنين عائشة، قالت: "كُنّا نخيط ونغزل وننظم الإبرة في ضوء وجه فاطمة"8.
وفي حديث طويل للمفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟
قال: "... فلمّا سقطت من بطن أمّها حين الولادة أشرق منها النور، حتى دخل بيوتات مكّة، ولم يبقَ في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور..."9.
ومن يراجع حديث أو أحاديث الحوراء في كتب الفريقين، فإنه سوف يجدها مرسلة، إرسال المسلّمات، وذلك لكثرتها ولاستفاضتها من جهة، ولكون الكثير منها محجة ومعتبرة من حيث إسنادها.

ـ فاطمة عليها السلام نور لأهل السماوات:
ولم يكن نور فاطمة يضيء الأرض لأهلها من ذوي الثبات واليقين فحسب، بل كان يضيء لأهل السماوات من الملائكة وأهل القرب. ففي بحار الأنوار نقلاً عن علل الشرائع للشيخ الصدوق، عن جابر يبدو أنه جابر الجعفي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: لِمَ سُمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟ فقال: "لأنّ الله عزَّ وجلَّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها، وغشيت أبصار الملائكة، وخرّت الملائكة ساجدين..."10. "إنه حين وضعتها السيدة خديجة عليها السلام حدث في السماوات نور زاهر لم تره الملائكة من قبل ذلك اليوم، وبذلك لُقّبت بالزهراء".
وعن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فاطمة: لم سُمّيت الزهراء؟ فقال: "لأنها كانت إذا قامت في محرابها، يزهو نورها لأهل السماء كما يزهو نور الكواكب لأهل الأرض"11.
وفي رواية: "يزهو نورها لأهل السماء كما تزهر الكواكب أو النجوم لأهل الأرض".


ـ فاطمة عليها السلام نور لأهل الآخرة:
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله(ص): "إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجّة الجنبين.... على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كلّ ركن مرصّع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في أفق السماء... فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي، سليني تُعطي، واشفعي تشفّعي. فوعزّتي وجلالي، لا جازني ظلم ظالم.
فتقول:" إلهي وسيدي، ذرّيتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي، ومحبّي ومحبّي ذرّيتي.
فإذا النداء من قِبَل الله جلّ جلاله: أين ذرّية فاطمة وشيعتها ومحبّوها ومحبّو ذرّيتها؟
فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة، فَتَقْدُمهم فاطمة حتى تدخلهم الجنة"12.

_____________________________
1 الأمالي للشيخ الصدوق، ص546.
2 المعجم الكبير للطبراني، ج12، ص225.
3 سورة النجم، الآيتان: 3 4.
4 الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ج5، ص293.
5 أخبار الدول للقرماني، ص87، الفصل الأربعون.
6 العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار، ج43، ص4، ح3.
7 بحار الأنوار، ج43، ص11، ح2.
8 أخبار الدول للقرماني، ص78، الفصل الأربعين، والقرماني هو من أجلّة علماء العامّة.
9 البحار، ج43، ص5.
10 البحار، ج43، ص11، ح12. ونقل مثله الطبري في دلائل الإمامة، ص149، ح60. وفي أمالي الصدوق، ص692، ج947، ؟؟؟؟ القويّة لابن فهد الحلّي، ص224، ح15.
11 علل الشرائع، للشيخ الصدوق، ج1، ص179.
12 أمالي الصدوقن ص69