|| عندما يتلبس العشق شبح الانتقام || الفصل الخامس
رابط الفصل الاول
رابط الفصل الثاني
رابط الفصل الثالث
رابط الفصل الرابع
http://dorar-aliraq.com/t/433837
الفصل الخامس
**********
يا إلهي، "وليد" المسكين، لقد كُسِرت ساقك يومها، حملوك للمشفى فاقدا لوعيك وأنا أصاحبك ودموعي تأبى التوقف عن الانهمار، كنت أجلس بالقرب من الغرفة التي يعالجونك فيها وأبكي، فقط أبكي، و بدون صوت كما هي عادتي، وأتى العم بصحبة والدتك ووالدي والجزع يرتسم على وجوههم، أخبرتهم أنك سقطت من على صهوة جوادك بعد اصطدامه بأحد الحواجز، بدأت والدتك في البكاء بشدة والرجلين اتجها للصلاة والدعاء لأجلك، بعدها خرج الطبيب من غرفة العمليات ليطمئننا، كسر ساقك تم تجبيره وسيحتاج حوالي ثلاثة أسابيع حتى يلتئم وبعدها عدة تمارين حتى تستطيع السير بشكل عادي، وذراعك بها كدمات عديدة قوية ألزمتك حملها على عنقك لفترة هي الأخرى، بالإضافة لعدة رضوض في صدرك وكتفك، وفي غرفتي بعد عودتي ابتهلت لله وأنا أقف بين يديه داعية أن يتمم شفاءك على خير وألا يزور الألم جسدك أبدا، وفي خلال يومين عدتَ لمنزلك وغزاني حنيني إليك، كان والدي يزورك يوميا بعد عودته من عمله وخجلي يمنعني من مجرد طلب مصاحبته حتى وجدته يسألني :
" شهد، ألا ترغبين في زيارة ابن عمك وليد ؟ إنه في منزله منذ أسبوع ولم تذهبي لرؤيته ولا حتى مرة واحدة "
شعرت بلهجة والدي وهو يحادثني مندهشة مستغربة، اكتنفني الخجل وهمست :
" أرغب في ذلك والدي لكنني أشعر بالحرج لا أكثر "
ليسمعني ضحكته الحنون المرحة، هاتفا بعدها :
" وما الحرج في زيارة ابن عمك شهد ؟ الرجل مريض، وعيادة المريض واجبة، ستأتين معي في الغد، حسنا ؟ "
ابتسمتُ في خجل وأنا أومئ برأسي موافقة له، وأتيتك "وليدي" أقدم خطوة وأعود أخرى، كنت قلقة، خائفة، حزينة لما حدث لك، وأخشى رؤيتك في هذا الوضع، عندما دخلت مع والدي لغرفتك ورأيتك مجبّرا راقدا في هدوء على فراشك، توجعت كأن ألمك أنت قد حل بجسدي وعندما رفعتَ عينيك نحوي، ونعم نحوي أنا، فأنت لم تنظر إلى والدي إلا بعد أن ألقى السلام عليك، تخلل حزني الكثير من الخجل، ثم قلتُ بخفوت :
" حمد لله على سلامتك وليد، شافاك الله وأتم عليك عافيتك "
منحتني ابتسامة حانية ثم رددت بنبرة معاتبة :
" سلمك الله شهد، أين كنت طوال الأسبوع الماضي ؟ لمَ لم تأتِ لزيارتي ؟ "
ليرد أبي وهو يضحك رافعا عني الحرج :
" كانت تشعر بالخجل وليد، ولا تسألني لمَ ! "
ابتسمت أنا الأخرى ثم خفضت رأسي في صمت، وأنا أشعر بك تتطلع إليّ، حاولت التخلي عن خجلي فأخرجت قلما عريضا من حقيبتي وهتفت بلهجة طفولية :
" سأكتب لك شيئا على جبيرتك، ما رأيك ؟ "
في تلك اللحظة نادى عمي والدي فقام واقفا وقال بابتسامة :
" حسنا شهد، لا ترهقي ابن عمك، اكتبي ما تريدين والحقي بي لنعود للمنزل "
وخرج والدي، انتقلت إلى جوار ساقك وأمسكت بقلمي وكتبت بضع كلمات بسرعة، لأسمعك تهمس :
" أوحشتني شهد "
رفعت عيناي إليك في خجل لأتأكد مما سمعت، فقابلتني ابتسامتك الحانية ثانية ونظرتك العاتبة وعدت تقول في لوْم :
" كانت سقطتي بسببك، وأنتِ هجرتني طوال الأسبوع الماضي "
اتسعت عيناي في ذهول وصدمة لم تكن بأقل من تلك التي شعر بها قلبي، أسقطت بسببي "وليد" حقا ؟ ولمَ ؟ ترجمت سؤالي بصوت لا يكاد يسمع :
" ماذا ؟ حقا ؟ ولمَ ؟ "
أجبتني بنفس الابتسامة الآسرة :
" رأيت أحدهم يضايقك، وكنت في طريقي لإيقافه ولم أنتبه لذلك الحاجز أمامي "
شعرت بالذنب يذبحني، إذن فقد كنتُ السبب في إيذائك "وليد" ليتني كنت أعلم، لتركت المكان له قبل أن تقع عيناك عليّ وتتأذى بسببي، عدتَ تقول في حنان :
" هوني عليك شهد، إنه قدري "
أومأت برأسي في صمت والحزن يزداد بداخلي ثم عدت أقول في خفوت :
" أتم الله شفاءك على خير وليد، بإذنك "
واتجهتُ للخروج من الغرفة لتهتف بي :
" انتظري، قلت لك هوني عليك، لا داعي للتفكير في الأمر، بالفعل هو قدري، أنا الذي لم أكن منتبها له، ثم لا تهربي قبل أن تقولي لي ماذا كتبتِ على جبيرتي ؟ "
حاولت الابتسام لكن عدت لـخجلي مجددا وأنا أجيبك :
" لمَ لا تقرأها بنفسك ؟ "
وعدت أحاول الهرب من أمامك ثانية لتوقفني :
" انتظري حقا، لن يمكنني رؤيتها بوضوح، لو أعجبتني الكلمات سأحتفظ بقدمي مجبرة لأجلك "
وابتسمتَ في حب، ترددت، احترت، ارتبكت ثم هتفت بسرعة :
" دعوت لك بالشفاء، وكتبت أنني أتمنى لو كان الألم بي أنا وأنت بتمام عافيتك، وأنني أفتقدك "
ألقيت كلماتي بسرعة الصاروخ وانطلقت بعدها هاربة من أمامك وقلبي ينبض بقوة لا أفهمها، وسعادة لا أدري لها سببا تتغلغل بداخلي، ففارسي، سيبقى فارسي .
********
افتقدتك بشدة صغيرتي، وغضبت منك، ثم شعرت بالحزن، وبعدها سألت والدتي عنك، لمَ لم تأتِ لزيارتي "شهد" ؟ إجابة والدتي لم تنفعني بشيء، فهي لا تدري لمَ تأخرتِ عني ! ومر يوم ويومان وثلاثة حتى انتهى الأسبوع وأنت غائبة، وأنا عاجز عن الحركة، عاجز عن رؤيتك، ولا أستطيع المطالبة حتى بسماع صوتك عبر أسلاك الهاتف، لم نفترق لتلك المدة من قبل، ولأول مرة أتذوق مرارة ابتعادك، حتى في فترة طفولتك وخصامنا، كنت أراك من بعيد، وأشبع عيني منك، لكن الآن أنا محتجز، قعيد بين جدران غرفتي، وأنت بعيدة عني، تفصلني عنك بضعة أمتار هي المسافة بين منزلينا، بعد اليوم السابع أخبرتني والدتي أن عمي سيصعد إليّ بعد قليل وأنت بصحبته، كدت أقفز فرحا من فراشي لأرقص طربا، فبعد دقائق سأنعم برؤيتك، أعلم أنني لم أعد أطيل النظر إليك مثلما كنت أفعل سابقا، لكن تلك اللحظات المختطفة من عمر الزمن تكفيني، وتشبع عيني بصورتك حتى أراك مجددا، وكملاك صغير تهاديت بخطواتك الرشيقة إلى حجرتي وأنت تمسكين بيد عمي، الخجل يرتسم على وجهك بشدة ووجنتيك حمراوان، قال العم أنك تشعرين بالحرج من زيارتي، ولم أفهم لما، ولم أهتم بالسؤال، يكفيني فقط أنك أمامي الآن، وبطريقتك الطفولية المعتادة أصريت أن تكتبي شيئا على ساقي المجبرة، ولم أقاوم وقتها فقد غافلتني شفتاي مدفوعة بنبضات قلبي المشتاقة لتهمس معبرة عن افتقادها لك، تطلعتِ إليّ بحياء لذيذ حين نطقت بكلمتيّ الاثنتان، ثم أخبرتك أنك سبب سقطتي، كنت سأخبرك أنني شعرت بالغيرة، لكنني خشيتُ أن أتجاوز معك، أو أشعرك بالمزيد من الخجل، رأيت الحزن على وجهك فلُمتُ نفسي بقسوة، لم يكن ذلك سبب إخباري لك، وعندما حاولتِ الهروب من أمامي، لاحقتك بسؤالي عما كتبتِه على جبيرتي، ولـخجلك المرتسم على وجهك خمنت شيئا وكنت على حق، أنهيت كلماتك كالبرق ثم اختفيتِ من أمامي وتركتني أحلق معك في سماء خيالي، وأسبح نحو شاطئ عشقك مجدفا بقوة داعيا أن تمر السنوات التالية بأسرع ما يمكن لتكوني لي صغيرتي، بعد خروجك تحركت بخفة، وتطلعت لكلماتك الصغيرة المنمقة المكتوبة على ساقي وابتسامة حب تعانق شفتي، نعم طفلتي، كان يمكنني رؤية جبيرتي بوضوح، لكنني فقط رغبت في سماعها من بين شفتيك، ونجحت خطتي نجاحا باهرا، أحبك "شهد"، وبشدة .
********
بخطى ثابتة أتقدم في عملي، وصديقي الصدوق "رمزي" الذي ألزمت والدي أن يكون معي يشاركني الخبرات التي نكتسبها يوميا سويا، وصغيرتي الجميلة تكبر أمام عيني والصبر يكاد يقتلني، أنهيت دراستك الثانوية "شهد" وتقتربين من العام الثامن عشر من عمرك، أصبحتِ أنثى أميرتي، وكل ما أستطيع فعله عند لقاءك والذي أصبح أقل من القليل أن أبتسم متسائلا عن أحوالك، غاضا بصري عنك لأسمع سيمفونية صوتك العذب تجيبني بخفوت وخجل :
" بخير والحمد لله "
لازالت ملامحك المتجسدة أمام عيني طفولية صغيرة، بجدائل ناعمة وعينان لامعتان وأسنان ساقطة، بريئة خجول بها لمحة غضب دائمة، أتذكرين كيف كاد والدك يوقف قلبي ليجبرني على طلب يدك ؟ بالفعل كاد قلبي يتوقف ومن قبله كدت أرتكب جريمة قتل وحشية في حق عمي، يومها اجتمعت العائلتين على وجبة الغذاء لمرة منذ وقت طويل لم تحدث، كان والدي ووالدك على رأسي المائدة، أنت إلى جوار عمي وأنا وأمي متواجهين عن يمين ويسار والدي، يفصلني عنك مقعد واحد لتواجهيني، وأنت كعادتك عيناك تداعبان حبات الأرز في طبقك في صمت، وأنا أمنع عينيّ بشق الأنفس عن متابعتك، كان الرجلين يتحدثان بأمور العمل وكأنما لا يكفيهما الشركة والانشغال بها في الصباح، وأمي تنصت إليهما باهتمام مصطنع، وأنا أحلق في خيالي مع أميرتي الخجول الصامتة، كم تغيرتِ "شهد" وأصبحتْ طباعك أقل حدة، وأكثر حياءا، لستِ تلك الصغيرة الغيور التي كادت تقتل زميلتي يوما وتوسعها ركلا بقدميها، فجأة سمعت العم يقول بصوت حازم كأنه قرر أمرا ما مخاطبا والدي :
" محسن، أتعلم من زارني اليوم ؟ "
لم أكن لأنتبه لحديثهما أو يهمني لولا أن تساءل أبي باهتمام :
" من عبد الله ؟ "
أجاب العم بنبرة لم أفهمها :
" حامد عيسى "
رد والدي باستغراب :
" حقا ؟ لكن المشروع بيننا لم يبدأ بعد، ما الذي أراده ؟ "
وتأتي الصدمة في أحرف قليلة لتذبح قلبي :
" أراد مصاهرتي محسن، يطلب شهد لولده الأكبر عماد "
وكأن دلوا من الماء البارد سُكِب فوق رأسي، وأنا كنت كبركان انطفأ فجأة وتصاعدت منه أدخنة الخوف والقلق، رفعت عيناي بصدمة لعمي والذي لم يبدو أنه حتى انتبه لنظرتي إليه أو إلى تلك الشهقة التي انطلقت من بين شفتيك، أدرت عيناي إليك بسرعة لأجد الصدمة على ملامحك والذهول أضعاف وجودهما على ملامحي، حتى والدتي تساءلت ذاهلة :
" ماذا تعني أبا شهد ؟ هل ستزوجها لابن ذلك الرجل ؟ "
التفت عمي إليها مجيبا بحزم :
" لم أقرر بعد أم وليد، الفتى مناسب للغاية، يصغر وليد بعامين ويعمل أيضا في شركة والده مديرا لأحد فروعها الهامة، ناجح في عمله جدا، يمكنني أن أأتمنه على ابنتي، ووالده لا غبار عليه أو على عائلته "
تلجلجت والدتي وأنا أحفزها بعيني على الحديث، نظرتْ إليّ بقلق ووالدي الصامت يتطلع إلى والدك بانتباه، عادت تقول :
" ولكن عبد الله، لما هذا القرار المفاجئ ؟ "
ابتسم وهو يرد بنفس الحزم :
" أخبرتك أنني لم أقرر بعد، فقط الرجل طلب ابنتي زوجة لولده، كما يقولون دخل البيت من بابه، وعندما أراد شيئا سعى إليه وكان حازما فوريا، وهو كشخص مناسب للغاية، فما الداعي للرفض ؟ سيأتيان لاحقا ليجلس الفتى مع العروس، ويقررا إن كانا سيتوافقان أم لا ؟ "
قال العم كلمة "عروس" وهو ينظر إلى وجهك المحمر بابتسامة قتلتني، أنت "شهد" عروس ؟ ولمن ؟ لغيري ؟ لم أشعر بنفسي إلا وأنا أهب واقفا هاتفا بعصبية شديدة لا تليق بمن أتحدث معهم :
" ماذا تعني يا عماه ؟ هل ستزوجها من رجل آخر غيري ؟ طفلتي التي تربت على يديّ، تصبح زوجة أزفها لآخر ؟ "
رأيت نظرته الصارمة ونظراتك الفَرِحة، كدت أذوب في عينيك حتى أوقفتني لهجته الحادة وهو يحادثني :
" إن كنت تريد الزواج منها وليد لمَ لم تطلب يدها مني ؟ الفتاة أمامك و ستبدأ دراستها الجامعية في غضون شهر على الأكثر وأنت مازلت واقفا مكانك تتطلع لطفلة الأمس، غيرك أرادها وتقدم لخطبتها، فما الذي يجبرني على الرفض ؟ "
لم تسعفني الكلمات، عدت أهتف وحروفي تتساقط من شفتي بلا رابط :
" لكن عماه، كنت فقط أنتظر لتنهي دراستها، لم أرد أن ألهيها عنها "
رده الحازم ألجمني مرة أخرى :
" كان يمكنك إعلامي ونكتفي بخطبة ليعلم الجميع أنها لك، فلا يأتيني شريكي يطلبها مني لولده، أنت فقط صمت معتبرا أنني سأمنع الرجال عن طلب يدها، إن أردتها فعلا كما تقول لسعيت لذلك وليد ولما تركتها لآخر يطلبها "
لم أجد ما أرد به، شعرت أن المائدة بيننا تكبر وتمتد لتصبحي أنت في ركن قصي بعيد ولا أستطيع الاقتراب منك فأصابني الدوار، انطلقت مغادرا المكان بعنف محطما مزهرية ثمينة في طريقي ومغلقا الباب خلفي حتى كاد يتحطم هو الآخر .