اليوم، وعودا إلى ما تقوله نسوتنا كناية عن استهجان استعمال الأسحار والنذور ـ ما أريد الرجل بالسحوره
ولا الولد بالنذوره. أقول ان هذا الاستهجان ربما يشير
لأمرين أولهما الخشية من عواقب السحر الشائعة في
الذهن الشعبي وثانيهما اعتداد المرأة بنفسها إذ
"يشين" عليها أن تستخدم السحر لجلب أنظار الرجال. لكأن لسان حالها يقول: وآني شناقصني حتى ألجأ لأمهات السحورة!
أمّا الخشية مما يمكن أن ينتهي له السحر من
انقلاب على صاحبه فشائع وعلته تكمن في السحر ذاته
كما يقول العارفون. فالسحر، برأيهم، مثل المعادلات الكيمياوية، لا يعمل إلا بعناصر معلومة وفي أوقات محسوبة. فإن حدث خطأ ما انقلب السحر على الساحر وصار مجهول العاقبة. عمل المحبة قد ينقلب إلى الضد واستبعاد جني قد يؤدي إلى استحضار عشيرته كلها. ويستوي في الإيمان بهذا الرجال والنساء طبعا ذلك انه شغف إنساني لا يخص جنسا بعينه.
الحال ان المؤمنين بهذه العوالم يتعاملون معها
بيقين كامل يتنافى مع العقل. قبل فترة مثلا جمعتني
الأقدار بامرأة طيبة في غرفة انتظار بعيادة. كانت
المرأة تتحدث بالهاتف مع ابنها وهي عصبية وتكرر
على مسامعه ـ خليه يطيبها ويجيبها، جا هو
يمرضها واحنه نبتلي بيها! وبما ان الفضول كاد ان يقتلني، فقد ندست زوجتي لتسألها عن القصة. ثم ما ان
انتهت المرأة من المكالمة حتى شرعت تتشكى
بصوت مسموع.
هنا استثمرت أم عيالي الفرصة وسألتها فتدفقت صاحبتنا بالحديث وكأنها كانت في انتظار سؤالنا. الحكاية باختصار ان ابنتها تعاني مشكلات صحية
رهيبة بسبب أعمال سحر من ضرتها. أعمال شيطانية
لا تتوقف يعرف بها الجميع كما تزعم بما في ذلك
الزوج، ومع هذا لا يقدر أحد على إيقافها نظرا لقوة
السحر. العلة إذن في وجود ضرة. هذا ما تبدى فسألناها، وفقا لذلك، عن سبب موافقتهم على تزويجها لمتزوج،
فقالت انه استخدم السحر لاقناعهم أيضا. شلون يمعوده؟ سألتها فقالت ـ ما كدرنا عليه، ظل يتوسل والولد ما
قبلوا، لكن في يوم من الأيام، ذبح خروف بباب الحوش بالليل ومحد يدري شسوه من عمل، وبعدها انعمت عيوننا.
تروي أنها اكتشفت الدماء في الصباح في عتبة الدار، لكنها اعتقدت أن طفلا قد جُرح ولم يخطر في ذهنها أنه عمل شيطاني خبيث لجعلهم يوافقون على تزويج فتاتهم من ذلك الشاب المتزوج.
حين كانت المرأة متدفقة في حديثها كان ثمة فتى
يجلس في العيادة أيضا. كان الأخير يسمع ويدلي برأيه
وقد بدا من الغريب أنه لم يكن يقل عن تلك المرأة
الطيبة إيمانا بالسحر وأفعاله حتى انه صار يذكر
أسماء سحرة معروفين وينصحها بمراجعتهم. كان
اليقين يشيع من الأعين لدرجة اني تذكرت قول النساء
في الأمثال أيضا وأيضا:أم الدولة خابت وأم السحوره ما خابت.
نعم، هو شيء أغرب من الخيال، شيء حيّر
الإنسان منذ الأزل وجعله يربط بين العشق والسحر
ربطا لا تنفك عراه، والخلاصة قد تتكثف بمطلع
قصيدة لعبود الكرخي يقول فيها: كلمن يودك دائما
مترزّلْ..ملدوغ لدغه ابجبدته ومتبزّلْ..أتريد تعرف
كدرك بأيّ منزلْ..ذب الخرز من جيبك ولا تسحرْ..
وعليهم !