من حرب ما، احتفظ بخوذة جندي لم اتعرف اليه ولم اره. كنت في مهمة صحفية وكان الطريق الى حيث اذهب للتصوير يحفظ اثار حروب في اشجارها وارصفتها وكانت في ظل جدار شبه مدمر خوذة.
تذكرت ان ضابطا برتبة رائد قال لي ذات انكسار انه لم يقدر سوى على رفع ثماني خوذ من بين مئات كانت مرمية على الارض بكفيه. (ان الخوذة المرمية على الارض بالنسبة لعسكري مهني تجرحه وكأن شقيقته تستباح امامه)، اضاف بوجع ومضى، بينما مئات الخوذ مرمية في كل مكان. اما انا، طالما احسست ان العسكري الذي يمضي شهيدا، يترك احلامه في خوذته التي لابد وان نحتفظ بها حفاظا على احلام شهيد. في الخوذة التي رفعتها، احلام قطعا تشبه احلام مئات الالاف من الشباب مضوا ويمضون شهداء لصنع غد مبتسم لصغار لابد وان سيتعرفوا الى كلمة (حلم) وان كل آت يبدأ من حلم ما.
اي نبيل هذا او ذاك الذي يمضي زارعا احلاما قد يكون شخصيا لم يتمكن حتى من التفكير بها، ففي لحظة بطولة وتضحية، كل شيء يهون امام وطن يجب الدفاع عنه. عام بعد آخر، يزرعون الاحلام وتكبر ابتسامات الصغار في لحظة امان، تكبر الاماني ومن ثقب احدثه رصاص غادر في خوذة يغادر حلم جديد. هنا، تستمر زراعة الاحلام، وهناك، حيث غادر البعض لتحقيق احلام ايضا، بينهم من لا يجيد سوى ان يلومنا لأن خيارنا كان ان نبقى هنا، حارسين لاحلام زرعت، نرويها لجيل حاضر واخر قادم.
ان نروي حلما ليست مهمة يسيرة في وضع مثل الذي نمر به، لكننا نلوم من يحاول ان يعيق مهمتنا هذه. ان الذي (يجيد) الغمز وهو يعيش مؤمنا على حياته وحياة صغاره ممارسا بطولة وهمية من خارج الوطن ليس سوى فاشل لا يقدر ان يصادق حتى نفسه. هؤلاء لا يختلفون عن الفاسدين والمفسدين داخل الوطن، في الزورق نفسه، لا يقفون اجلالا لخوذة شهيد، لزارعي الاحلام. لم احاول يوما ان اصادر الرأي الآخر، لكن من الذين في الزورق الذي اشرت اليه، ليسوا اصحاب رأي انما اصحاب صفقة لاستمرار مصادرة الاحلام.
ذات نهار، سألني صغير وسط هيكل يسكنه نازحون ما معنى (حلم)، سؤال كان جوابَ صغيرِ أخر قابلته وهو يسكن مع والديه في بناية شبه مهدمة بعد حرب ما وهو يحاول ان يعرف ما الحلم. لصغار لابد ان يعيشوا لاجل هذا الوطن، لوجع لابد وان ينتهي، يزرع الشهداء احلامهم. هنا، رغم استمرار الوجع، يصنع الشهداء املا بغد نراه ونكاد نلمسه.. ونبتسم بأمل ونحن نلوح لزارعي الاحلام، فاللحظة القادمة تبدأ بحلم..