عندما يتلبس العشق شبح الانتقام || الفصل الرابع
رابط الفصل الاول
http://dorar-aliraq.com/t/433833
رابط الفصل الثاني
http://dorar-aliraq.com/t/433835
رابط الفصل الثالث
http://dorar-aliraq.com/t/433836

الفصل الرابع

*********

غضبي منك كان يزداد يوما بعد يوم "شهد"، من سأقاطع وألكم في الغد بسببك، بدأت أعتقد أن نهايتي ستكون السجن أو مشفى الأمراض العقلية مصابا بجنون العشق والغيرة، بالأمس كنت رضيعة أحملها بخوف وأنا أخشى أن أؤذيها أو تسقط من بين يدي واليوم تتجهين نحو الأنوثة الكاملة بخطى ثابتة والذباب البشري يحوم من حولك وقلبي لم يعد يحتمل، في اليوم التالي على غضبي من زميلي وصراخي في وجهك كنت أمسك كتابا، أقرأ فيه ولا أقرأ بحديقتنا، عيناي تجري على السطور وعقلي في جنون العشق كان غارقا، فجأة سمعت صوتك الصغير القلق هامسا :
" ما رأيك وليد ؟ "

رفعت عيني نحوك مندهشا، هل ستحادثينني بعد غضبتي بالأمس بدون تذلل مني ؟ وقبل أن تكتمل نظرتي إليك وجدت قمرا صغيرا رقيقا يقف أمامي، أحقا هذه أنت "شهد"، كنت تتطلعين إليّ في توتر ونظرة قلقة تغلف بؤبؤيك، تلك اللمعة في عينيك والتي تنذر بدموع ستنهمر بعد لحظة، انتبهت لنفسي ولتأخري في الرد على سؤالك، فاعتدلت في مجلسي وتنحنحت مزيلا بعض الارتباك من صوتي وسألتك :
" ما هذا شهد ؟ لمَ فعلت ذلك ؟ "

بدأت دمعة تنساب من بين جفنيك بالفعل وكأنك ظننت أن الأمر لم يعجبني، هل كنت قاسيا ؟ كل ما فعلته أن سألتك عن سبب فعلتك، لم أكن أريد أن يكون السبب هو غضبي أنا أو غيرتي، بل شيء آخر نابع من قلبك أنت، قلت بسرعة :
" شهد لا تبكي من فضلك، أنا فقط أتساءل عن السبب، لازلت صغيرة طفلتي "

رفعت عينيك إلي في شيء من الغضب وكان ردك عنيفا :
" لست صغيرة وليد، أخبرتني بالأمس أنني لم أعد طفلة، أتذكر ؟ تخطيت مرحلة الطفولة إن لم تلاحظ وهو الآن فرض من خالقي عليّ الالتزام به "

في اللحظة التالية كانت ابتسامتي تكلل شفتي، رائعة أنت صغيرتي، ازداد جمالك وزاد النور المطل من وجهك بغطاء رأسك الرقيق، كنت أنثى صغيرة تقف أمامي في ثياب محتشمة تجبرني على احترامها قبل أي شيء، همسة واحدة خرجت مني :
" كالقمر أنت شهد "

رأيت الخجل يغلف وجهك برداءه وأنت تبتسمين برقة أذابتني ثم انطلقت من أمامي راكضة كالريح وأنا أتابعك بحب للحظة بعدها شعرت أنه ينبغي أن أغض بصري عنك ، معشوقتي .

********

آه "وليدي" في ذلك اليوم أخجلتني كثيرا وأغضبتني وأثرت حنقي أكثر، كنت لا زلت تراني طفلة حمقاء بجدائل طويلة، لكنني الآن أختلف، أنا أقترب من الثانية عشر من عمري وأنت لا تدري، تعاملني كرضيعة الأمس التي كنت تهدهدها في مهدها، لكني كبرت عزيزي، وحان وقت التزامي بأوامر ربي، قررت أن أرتدي الحجاب، وفاتحت والدي في الأمر وكعادته بكل حنانه الذي يغمرني به انهال علي وجهي بقبلاته التي كللتها دموعه وهو يهتف من قلبه :
" نعم شهد، أنت كبرت، هيا افعليها صغيرتي "

وفعلتها، ورد فعلك كان هو مثار قلقي، هل ستتقبل ؟ أعلم أنك تحافظ على صلواتك "وليدي" والكثير من الأشياء الأخرى التي تقربك من ربي، ربما تتفلت منك بعض الأخطاء لكنني دوما كنت أستمع لهمساتك الذاكرة لله في كل لحظة ويطرب قلبي لها، وعندما أريتك نفسي وتساءلت عن السبب، جفت الدماء من عروقي، وتعليقك التالي أثارني بشدة، أنا لست طفلة "وليد" توقف عن اعتباري كذلك، ثم أخبرتني أنني أشبه القمر، أحقا حبيبي ؟ أكنت تعنيها ؟ لم أستطع التأكد وقتها فقد وليت هاربة والخجل يطوقني من كل ناحية، وسعادتي بتقبلك لحجابي تغرقني في بحرها .

********

أتصفح ألبوم صورك منذ كنت رضيعة "شهد".. بعض الصور تثير ضحكاتي وبعضها يثير ذكرى مرحك وانطلاقك وشقاوتك صغيرتي، لا توجد صورة واحدة لم أكن فيها معك، هنا أحملك، وهنا أداعبك وأنت تضحكين بشدة، هنا نلعب بسيارتك المفضلة، وهنا عندما ارتديت الحجاب، بعدها لم تحتوينا صورة أخرى، كم آلمني ذلك الانفصال لكنه كان فقط يزيد من شوقي إليك ومن عشقي لقلبك الصغير، أترين هذه الصورة ؟ تحملين قطة لطيفة، أتذكرين كيف حصلتِ عليها ؟ إحدى نوبات الجنون التي كانت تداهمك أحيانا فتركضين في الشارع لإنقاذ قطة صغيرة أو مساعدة محتاج، غير عابئة بأي أذى قد يصيبك أو سيارة مارة قد تصدمك، فقط تؤمنين أنه عليك تقديم المساعدة، كنت رائعة طفلتي، ومازلتِ، دوما ذكرياتي معك تثلج صدري وترسم بسمة على شفاهي، فقط قبل أن ينتهي وقت السعادة ويحل الظلام بعالمي جاذبا إياك معي نحو ثقب أسود ابتلع ضوئك وحيويتك وقتل كل جميل فيكِ، ها أنا أنهي دراستي وأنت تكبرين وتضعين الحدود بيننا، كم أحبك "شهد" لطالما أحببتك، ولطالما كانت كل أفعالك صغيرة أو كبيرة مثار إعجابي، إلى متى سأنتظر صغيرتي ؟ لازلت صغيرة وأنا فتى جامعي أحمل شهادتي وأعود بها لأبي ليجلسني على مقعدي في الشركة التي يمتلكها مناصفة مع والدك، الكل سعيد ومبتهج، لقد تخرجت "وليد" وأصبحت رجلا، لكن ماذا عنك طفلتي ؟ تجلسين في خجل لا ترفعين عينيك نحوي وأنا أحاول منع بصري من الالتفاف حولك قدر استطاعتي، ابتسامتك الرائعة تزين شفتيك في بهجة، وفجأة تقدمت إلي رافعة كفيك الصغيرتين بهدية، ابتسمت وفي خفوت همست لك :
" شكرا أميرتي، هديتي هي أنت"

وتعودين أسفل رداء الخجل والصمت، والكل يلاحظ ما بي ويبتسم في حنان، ليصيبني الخجل أنا أيضا، آه مدللتي الصغيرة، كم أحبك .
أتذكرين هديتك "شهد" ؟ لازالت تلازمني للآن، مصفحا صغيرا مطعما باللون الذهبي الراقي، وسجادة صلاة للجيب، كيف فكرت فيها ؟ هل هي منك أنت أم أنك استشرتِ أحدا ؟ لم أسألك من يومها عنها لكنها لازالت الأغلى على قلبي والأقرب مني لنفسي، فقط لأنها غالية للغاية، ولأنها منك .

********

تخرجت "وليدي"، أصبحت رجلا راشدا، وأنا بالنسبة إليك وإلى الجميع لازلت طفلة، كم كان يغضبني ذلك خاصة عندما يضحكون على أي من تصرفاني وينادونني بالطفلة الصغيرة، إلى متى سأظل طفلة، تخطيت الثالثة عشر وأسير بخطى بطيئة نحو الرابعة عشر، اقتربت كذلك من دراستي الثانوية والتي تليها جامعتي، إلى متى "وليد" سأبقى طفلة، الملل أصابني وأنا أتطلع إلى الجميلات في ذهابهن وإيابهن، رائعات هن طالبات الجامعة، يمتلئن بالحيوية والنشاط والأنوثة، وأنا كما أنا طفلة، تجدل شعرها أغلب الوقت وترتدي الجينز في غرفتها كالصبية، تمر الأعوام عليّ ببطء شديد قاتل، يوم تخرجك كان عيدي الصغير، كنت أسعد منك نفسك، ومن والديك ووالدي، أعلموني أنك ستعمل معهما في الشركة، ابتسامة تعلو شفتي وأنا أتخيلك كرجل أعمال وسيم، طويل نحيف حاد الملامح، ذو نظرة صارمة تحمل بعض القسوة، تلك القسوة لم أرها إلا لاحقا "وليد" فلم أكن لأتخيلها بين جفنيك أو في المستكين بين ضلوعك أبدا، شعرت بغيرة عندما مر بذهني من قد تقابل من النساء، من قد تلفت انتباهك أو حتى تحاول جذبه إليها، أهديتك يومها ما كنت أعلم أنه سيحفظك مادمت تحتفظ به وتقرأ فيه، وسجادة صغيرة تحملها معك لتذكرني بدعواتك في صلواتك وليكن لي نصيب من ثوابها، استغرب والدي عندما طلبتهما منه، بعدها نظرة عينيه أشعرتني بأنني أميرته بالفعل، احتضنني كعادته وقبلني داعيا لي بالصلاح، كم كنت في حاجة لدعواتك وذراعيك أبي، لكنك فقط لم تكن موجودا وقتها .

********

كنت تتقدم في عملك "وليدي"، أصبحت بالفعل تشبه رجال الأعمال كما نراهم في التلفاز، تخرج صباحا مع والدك مرتديا بزة أنيقة كاملة، حاملا حقيبة بالتأكيد تمتلئ بالأوراق الهامة، وأنا في الصف الثاني الإعدادي، أربعة عشر عاما امتلأت بها شهادة ميلادي، وأنت شاب وسيم في الثالثة والعشرين، منذ عامين تركت هوايتك الأولى والتي كنت ماهرا فيها للغاية - السباحة - واتجهت لتعلم الفروسية، وكما أنت دوما، رائعا ماهرا فارسا حقيقيا، شاركت في الكثير من السباقات وفزت في بعضها بالفعل، مهارتك تتطور يوما بعد وما أثار غيظي هو إعجاب الفتيات بك، كنت تصطحبني للنادي في كثير من الأحيان لأشاهدك وأنت ترتدي بزة ركوب الخيل الأنيقة وخوذتك فوق رأسك، تركض بحصانك الأبيض، والذي لم أعلم لما اخترته بهذا اللون، لكنك تبدو كفارس أحلام خرج للتو من أحد القصص المصورة، وتقفز الحواجز بحرفية وإتقان، كنت أشاهدك والفخر يملؤني، هذا هو ابن عمي، هذا هو مالك قلبي، فارسي أنا، ثم تسللت تلك الهمسات لأذني عنوة :
" هل رأيتِ ؟ إنه رائع للغاية "

لترد أخرى :
" نعم، فارس حقيقي "

وصوت الأولى :
" قوي ووسيم، ماهر جدا في قفز الحواجز، كأنما ولد على ظهر جواد، مع أنه لم ينتظم في تدريباته سوى منذ عام ونصف فقط "

والثانية تغمغم في لهجة حالمة أغضبتني :
" اسمه وليد السيوفي، ابن أحد رجال الأعمال الكبار، تخرج منذ عامين ويعمل مع والده في شركته، أترين ! مميزات رائعة في زوج المستقبل "

التفتُ خلفي لأجد فتاتين، بتخميني المتواضع تتراوح أعمارهما ما بين الثامنة عشر والعشرون، تتأملان فارسي بعينين راغبتين، وأنا أكاد أقفز صارخة في وجهيهما، هو لي يا حمقى، لا تنظرا إليه أو تتهامسان عنه، وفي النهاية قالت الأولى :
" بالفعل، به كل المميزات، وبالإضافة إلى ذلك فهو رجل بمعنى الكلمة، منذ أيام رأيته يتشاجر مع أحد الفتية هنا دفاعا عن فتاة لا يعرفها حتى "

نعم، هذا هو أنت "وليدي"، رجل، لكن غير مسموح لأخرى أن تتحدث عنك، أو حتى ترفع جفنيها لترتسم صورتك في حدقتيها، وقبل أن أصرخ فيهما غاضبة أتى ذلك السمج لا أدري من أين ليسألني فجأة :
" مرحبا آنستي، مع من أنت هنا ؟ "

التفت إليه في غضب وقلت :
" ولمَ تسأل ؟ "

ابتسم في حرج، ثم قال في لزوجة :
" آآه، حسنا، فقط لمحتك تجلسين وحدك هنا منذ أكثر من نصف ساعة، فقط أردت الاطمئنان، ألا أحد هنا يضايقك "

ابتسمت في برود وإجابتي تقطر جليدا :
" لا أحد يضايقني هنا، أنا مع وليد السيوفي "

قلتها بصوت عال، لتسمعها التافهتان خلفي، ثم وجدتك فجأة تصطدم بأحد الحواجز وكأنك لم تنتبه له وتسقط بعنف من على ظهر جوادك وأنا أصرخ باسمك في ذعر .

********

نزعة طفولية تنتابني أحيانا أمامك "شهد" على الرغم من سنوات عمري التي تفوقك بكثير، نزعة تدفعني للتباهي كأي أحمق آخر أمام معشوقته، في ذلك اليوم اصطحبتك معي للنادي لتشاهدي أحد تدريباتي على الفروسية وقفز الحواجز، كنت أعلم أنني جيد في هذا المضمار، ورغبت في استعراض مهاراتي أمامك صغيرتي، طفل ربما أنا، لكنني كنت سعيدا للغاية وأنا ألمحك تنظرين إليّ بانبهار، وتصفقين بيديك كلما نجحت في تخطي حاجز ما، لم أدري لمَ كانت عيناي مركزتان عليك أنت، وكل خطوة أخطوها بجوادي الأثير كانت فقط سعيا لنيل إعجابك، بعد دقائق لاحظت ذلك الفتى، يبدو صغيرا ولن يتحمل قبضتي في وجهه، شعرت أنه يضايقك، يقترب منك ببطء وتردد وفجأة بدأ معك حديثا بدوت فيها غاضبة، غيرتي اشتعلت بداخلي وقررت العودة إليك والاقتراب منك لأمنعه من مجرد النظر للمكان الذي تجلسين فيه، وظهر ذلك الحاجز الأخير من العدم أمامي لأصطدم به بصدر جوادي وأندفع أنا من فوقه ساقطا بعنف انكسرت معه ساقي وكادت ذراعي تنكسر هي الأخرى، فقدت وعيي وأنا أحاول جاهدا ألا أفعل حتى لا يصيبك الذعر لكن آخر ما تناهي لمسامعي هو صرختك المرتعبة باسمي .