عاش الإنسان الأول في العراق منذ دهور طويلة وقد وجدت آثاره في الكهوف , في الجبال الشمالية والشمالية
الشرقية وفي العراء على الهضاب الجبلية في الشرق وعلى المرتفعات الصحراوية في الغرب .
وقد اتخذ ذلك الإنسان أكثر أدواته الضرورية من الحجارة فسمى علماء الآثار ذلك الزمن بالعصر الحجري وهو حقبة طويلة جدا قسموها إلى أدوار مختلفة بالنسبة إلى نوع تشظيه قطع الحجر وتهذيبها وعرفت هذه الأدوار بأسماء المواقع التي اكتشفت فيها أول مرة نماذج من تلك الصناعات وأغلبها في فرنسا وجبال الألب وشمال افريقية والشرقيين الأقصى والأدنى . وكان ذلك الإنسان بعتمد على قواه في جمع قوته من الغابات والحقول ومن الصيد بأنواعه واستعمل أدواته من لب الصوان بعد تشظيته كفؤوس ومطارق للهجوم والدفاع ثم اتخذ الشظايا فيما أيضا سكاكين ومقاشط وصقل أدواته الحجرية وأخيرا اتخذ العظام والأخشاب . من أراد المزيد من معرفه العصور الحجرية وأدوارها المختلفة , فليرجع إلى ما جاء من المصادر في الرقم (1 ) من ثبت المراجع بآخر الكتاب . أما العصور الحجرية وعصور ما قبل التاريخ في العراق , فهي كالآتي :
1- العصر الحجري القديم ( الباليوليتي )
من أقدم المواقع الأثرية في العراق التي عثر فيها على نماذج من أدوات العصور الحجرية " برده بلكا " قرب جمجمال في محافظة كركوك , ويرقى زمن مخلفاته الىالعصر الحجري القديم الأدنى من النوع المعروف بالآشولي إذ يقدر تاريخها بما قبل مائة ألف سنة ( القاعة الأولى – الخزانة رقم 1 ) ويليها قدما آثار كهف هزار مرد الطبقة في محافظة السليمانية وكهف شانيدر الطبقة d في محافظة أربيل آثارهما في الغالب من النوع المعروف بالمستيري وهي ترقي إلى ما قبل أربعين ألف سنة ( الخزانة رقم 2 ) وقد وجد في كهف شانيدر هيكل عظمي كامل الجمجمة لإنسان النيندرتال ( الخزانة رقم 3 ) وهو الإنسان القديم الذي عاش في هذه المناطق قبل الإنسان العاقل ( الهوموسبينس ) . وقد عثر على أدوات العصر الحجري المستيري في مناطق أخرى متفرقة كبادية الشام في وادي حوران قرب الرطبة وهي من النوع المسمى ليفالواس . وتليها في القدم أدوات من الحجر والصوان من النوع الاورغنيشي من العصر الحجري القديم الأعلى , عثر عليها في مناطق متفرقة يرجع زمنها إلى نحو 25 ألف سنة و وجدت نماذج كثيرة منها في جبال براد وست في كهف زرزي الطبقة B في محافظة السليمانية وفي الطبقات العليا من كهفي هزار مرد الطبقة B وشانيدر الطبقة c وفي سنجار وفي الصحراء الغربية قرب الرطبة ويسمى هذا النوع من الآلات بالكريمالدى ومنه أيضا أنواع ناعمة تعرف بالمكروليت .
وقد عثر على نماذج أخرى من الأدوات الصوانية العائدة إلى الدورين السولوترى والمكدليني في الطبقات العليا من المناطق المذكورة أعلاه وغيرها مثل كهف بالي كورا في محافظة كركوك وببخال في محافظة أربيل وباراك في محافظة نينوى وسميت هذه الآلات بصناعة زرزي ويقدر تاريخها بما يزيد على عشرة آلاف سنة ( الخزانة رقم 2 ) .
2- العصر الحجري المتوسط ( الميسوليتي )
وهناك مناطق أخرى في العراق تتوفر فيها آثار من العصر الحجري المتوسط وأشهرها موقع " كريم شاهر " في محافظة كركوك و " ملفات " على نهر الخازر في محافظة نينوى و " كردجاى " على الزاب الأعلى و " زاوى جمي " بالقرب من شانيدر , ويقدر زمنها بما يزيد على ( 000ر10 سنة ) ونحوها ( الخزانة رقم 4 ) وسيأتي ذكر أنواعها في مطاوي هذا الكتاب .
3- العصر الحجري الحديث ( النيوليتي )
يبدأ هذا العصر في العراق قبل ( 000ر10 سنة ) وفيه تعلم الإنسان الزراعة فكانت من أهم أسباب تقدمه ثم سكن البيوت وكانت في بادىء أمرها من الطين والحصران ومنها تشكلت القرى ثم دجن الحيوان وربى الماشية وصار بذلك ينتج قوته بيده وأصبح ذا حياة اجتماعية وعقيدة دينية . ويقسم هذا العصر إلى دورين : الدور الدنى : - و وجدت آثاره في الطبقات السفلى من موقع جرمو وفي موقع كرد جاى ويقدر زمنه في نحو ( 6750 ق م ) وذلك بموجب تحليل المواد العضوية بالطريقة المعروفة بـ ( كاربون 14 c ) وبمساعدة المقايسات مع الآثار المكتشفة في مواقع أخرى . وقد تنوعت أدوات الحجر تنوعا كبيرا فصنع الإنسان الفأس الحجرية النحوتة وربطها بمقبض من الخشب وصنع المعازق لحرث الأرض والمدقات والجارش لطحن الحبوب واستعمل السكاكين من الزجاج البركاني الأسود المعروف بالابسيدى واستعمل أدوات من العظم فصنع الإبر والمثاقب والملاعق والحلي وصنع من الرخام دلايات وأساور ومن الطين دمى مختلفة تمثل الحيوانات التي دجنها أو الآلهة الآم , الآهة الخصب والتكاثر , التي عبدها واستعمل القسي والسهام بكثرة ( الخزانة رقم 5 ) .
والدور الأعلى : - وجدت آثاره في الطبقات العليا من موقع جرمو وفي الطبقات السفلى من تل الصوان وفي حسونة وسامراء وحلف والعبيد والوركاء وجمدة نصر . ومن أهم ميزاته إضافة إلى الزراعة والاستيطان هي صناعة الفخار وكانت المصنوعات الفخارية في أول أمرها ساذجة سمجة ثم تحسنت وصارت على أشكال مختلفة وصبغت بألوان زاهية . ولما كانت حقبة العصر الحجري الحديث وعصر ماقبل التاريخ أو ماقبل السلالات طويلة الأمد . والآثار العائدة إلى هذه الحقبة كثيرة متنوعة . فقد ار تأى علماء الآثار تقسيم هذه الفترة المحصورة بين الألف الثامن ونهاية الألف الرابع قبل الميلاد
الى عصور و أدوار حضارية وسموها بأسماء القرى والمواقع التي عثر فيها لأول مرة على نماذج من آثارها ويجد القارىء كتبا مختلفة في هذا الموضوع نقرأ خلاصتها في الكتب الواردة في الهامش وقد رتب الباحثون الآثار يون هذه الحضارات حسب تعاقب قدمها في العراق على الوجه الآتي : -
أ- دور جرمو
تقع قرية جرمو على رابية مرتفعة قرب جمجمال في محافظة كركوك . نقبت فيها بعثة أمريكية عن المعهد الشرقي لجامعة شيكاغو ابتداء من سنة 1948 . هي مستوطن قديم من العصر الحجري الحديث ومن أقدم القرى العراقية . ويقدر تاريخها بنحو ( 6200/6000 ق م ) . شيدت البيوت في جرمو بالطين وسقفت بالحصران وكانت أسس بعضها من الحجر الطبيعي وكان سكانها رعاة دجنوا بعض الحيوانات وربوا الماشية ومارسوا الزراعة في نطاق ضيق . كانت لهم معتقدات دينية بدائية كعبادة الآلهة الأم " آلهة الخصب والتكاثر " والآثار المكتشفة في هذه القرية كثيرة منها أدوات من الحجر وأكثرها مصقول وأدوات من العظم وحلي ودمى من الطين . ووجد في أعلى طبقات الموقع كسر من الفخار السمج ( الخزانة رقم 5 ) .
ب- دور الصوان
يقع تل الصوان على الضفة الشرقية لنهر دجلة على نحو عشرة كيلومترات إلى الجنوب من ملوية سامراء نقبت فيه مديرية الآثار العراقية عدة مواسم منذ سنة 1962 وكشفت عن مستوطن لعصور ماقبل التاريخ يرجع بزمنه إلى أوائل الألف السادس قبل الميلاد , وهذا الموقع هو الحد الفاصل بين الأرض الكلسية في الشمال والأرض الغرينية في الجنوب .
ومن أهم مكتشفات هذا الموقع أواني من الرخام الأبيض بأشكال عديدة جدا , ودمى من الرخام بإعداد كبيرة تمثل الآلهة ألام , آلهة الخصب والتكاثر , وجد أكثرها في مقبرة كائنة تحت أسفل الطبقات في تل الصوان ثم يلي ذلك من الأسفل إلى الأعلى طبقتان فيهما كميات من فخاريات عصر حسونة وأدوات تعود إلى أوائل هذا العصر وماقبله بقليل .
إما في الطبقات الثلاث الأخرى العليا فقد عثر على كميات كبيرة من فخار ملون من النوع المعروف بفخار سامراء , ووجد كذلك على سطح التل بعض الكسر من فخار عصر حلف الملون أيضا ( الخزانات رقم 6- 8).
وما زال موقع تل الصوان تحت الدرس لمعرفة قدمه بالنسبة إلى دور حسونة إذ إن ما اكتشف فيه من أواني الرخام وجد المنقب الألماني هرتسفلد في سامراء تحت المباني الإسلامية أواني من الرخام تشبه بعض الشبه أواني تل الصوان ووجد كذلك قلائد من الخرز وكميات من الفخار الملون .
ج-دور حسونة
تقع قرية حسونة على نحو 15 كيلومترا من الضفة اليمنى لدجلة وعلى 35 كيلومترا جنوب الموصل نقبت فيها مديرية الآثار العراقية في عامي ( 1943 ,1944 ) وهي قرية كبيرة من العصر الحجري الحديث يقدر تاريخها بنحو (5800-5100 ق م ) كشف فيها عن عدة طبقات سكنى , وجدت فيها آثار متنوعة بينها أدوات من الحجر والابسيدي ومناجل من الصوان ودمى من الطين وأهم ما امتازت به حسونة فخارها الذي يصنف إلى أربعة أنواع وهو الساذج والمدلوك والحزز والمصبوغ بلون برتقالي على الغالب ومنقوش بخطوط هندسية ( الخزانات رقم 9 – 11 ) , وفي موقع مطارة بمحافظة كركوك وجدت آثار مماثلة لدور حسونة .
د- دور سامراء
تقع سامراء على دجلة على 120 كيلومترا شمال بغداد , وجدت بعثة ألمانية عام 1912 . في أحدى مناطق المدينة تحت المباني الإسلامية العباسية آثارا وفخارا عرف بفخار سامراء ويقدر تاريخه بنحو ( 5000 ق م ) وفخار هذا العصر مبرقش بلون أزرق وبأشكال هندسية وخطوط متقاطعة , وجدت كميات كبيرة منه في مواقع عديدة منها في تل الصوان وموقع الثلاثات قرب الموصل وغيرها , ( الخزانة رقم 14 ) .
4- العصر الحجري – المعدني ( الكالكوليتي )
وفي مطلع الألف الخامس قبل الميلاد توفق الإنسان إلى اكتشاف المعادن وصنع منها أدوات مختلفة استعملت بجانب الأدوات الحجرية , وقد عرف هدالدور بالور الحجري – المعدني . ولكن التنقيبات الأخيرة التي أجريت في تل الصوان في العراق وتل جتل هيوك في غربي تركية أثبتت إن النحاس كان معروفا بصورة بدائية منذ بداية الألف السادس قبل الميلاد , وأدوار هذا العصر الرئيسة كما يأتي : -
أ – دور حلف
يقع تل حلف ( كوزانا القديمة ) في شمال سوريا على خمسة كيلومترات جنوب غربي رأس العين قرب منبع الخابور , نقبت فيه بعثة ألمانية عن متحف برلين سنة ( 1911,1913 ,1929 ) واكتشفت فخارا رقيقا مصبوغا بعدة ألوان بزخارف هندسية رائعة يقدر تاريخه بـ (4900 -4300 ق م ) وآثار أخرى كثيرة ومتنوعة .
كما وجدت البعثة البريطانية المنقبة في الاربجية في محافظة نينوى في عامي ( 1933 , 1934 ) آثارا كثيرة وفخارا بديعا يرجع الى عهد هذا الدور ( الخزانات رقم 15 ,16 ,19 ) ,و وجدت بعثة أمريكية في تبه كورا في محافظة نينوى آثارا مماثلة عديدة ( الخزانة رقم 17 ) . وقد تقدمت الصناعات المختلفة في هذا العصر وما بعده ,و أخذ الإنسان يؤسس بداية الحضارة الناضجة لاسيما عندما انتقلت موجة الحضارة من الشمال ومن الهضاب المرتفعة الشرقية الىالجنوب بعد انحسار المياه عنها وجفاف بعض الاهوار لان جنوبي العراق كان الى ذلك الحين مغمورا بالمياه , وان الغرين والرمال التي يحملها دجلة والفرات في العراق ونهر كارون والكرخا في إيران ترسبت في المصبات فتكون على ممر السنين أراض خصبة واسعة سهلت الزراعة فنشأت عليها مستوطنات عديدة كانت من أهم مراكز حضارة العراق القديم وصارت مدنا عامرة في العهد السومري .
ت- دور اريدو – حاج محمد
تقع مدينة اريدو في أقصى الجنوب على نحو 40 كيلومترا إلى الغرب من مدينة الناصرية وتعرف إطلالها اليوم " أبو شهرين " نقبت فيها مديرية الآثار العراقية ثلاثة مواسم ( 1946 – 1948 ) وكشفت فيها عن ثماني عشرة طبقة المعابد الكائنة تحت الزقورة . وقد خصصت هذه المعابد لعبادة اله البحار ( المياه ) " انكي " الذي عرف بعدئذ باسم " أيا " .
ومن دراسة الفخاريات المكتشفة في هذه الطبقات تبين ان فخار الطبقات السفلى المرقمة ( 15 – 18 ) ذات مميزات خاصة وهي رقيقة مغطاة فاتحة ومبرقشة بلون أسود أو زيتوني أو أحمر أو بني بأشكال هندسية تشبه الشبكة المؤلفة من تقاطع الخطوط بالاضافة إلى أشكال نباتية كالزهرة , وهذه الميزات تمثل فترة حضارية جديدة تعرف لاول مرة في القسم الجنوبي من العراق , وقدر زمنها من النصف الثاني من الألف الخامس قبل الميلاد . كما كشف في هذه المدينة عن مقبرة واسعة قبة رها شيدت على غرار واحد , وجدت فيها جرار كثيرة من عصر العبيد . وفي موقع حاج محمد القريب من الوركاء اكتشفت كميات كثيرة من فخار مماثل لفخار حضارة اريدو وله صفات أقرب ماتكون الى فخار عصر العبيد الجنوبي . وكذلك وجد مثل هذا الفخار في موقع رأس العمياء بالقرب من كيش شرقي بابل ( الخزانة رقم 18 ) .
ج- دور العبيد
يقع تل العبيد في جنوبي العراق على بعد ستة كيلومترات من غرب أور الواقعة على مقربة من مدينة الناصرية . تحرت فيه البعثة البريطانية التي تنقب في أور عام ( 1919 ) فوجدت فيه وعلى سطحه آثارا وفخارا امتاز بشدة حرقه وصلابته يقدر تاريخه بنحو ( 4000 -3500 قم ) وقد عرف بفخار العبيد , صنعت أكثر آنيته بواسطة دولاب الفخار , صبغ أغلبها بخطوط عريضة سود تمثل أشكالا هندسية ونباتية وحيوانية (الخزانات 20 – 22) .
وعصر العبيد حقبة حضارية طويلة الأمد وجدت مخلفاتها في الجنوب الشمال في مواقع مختلفة , ويمكن تقسيم حضارة هذا العصر الى قسمين : جنوبي – وهو الأقدم وقد وجدت فخارياته بكثرة في كل من اريدو وحاج محمد بالقرب من الوركاء ورأس العمياء بالقرب من كيش وفي أماكن أخرى . أما القسم الثاني ( الشمالي ) من حضارة عصر العبيد فقد وجدت نماذج منها بكثرة في الشمال , مثل موقع تل الثلاثات بالقرب من سنجار حيث نقبت بعثة يابانية أربعة مواسم بين سنة ( 1956- 1966 ) وفي تبه كورا حيث نقبت بعثة بنسلفانية الأمريكية , وفي الجنوب في مواقع تل العبيد نفسه وأور وأريدو والوركاء ومواقع أخرى .
استعملت المعادن في هذا العصر , وكان النحاس يطرق باردا في بادىء الأمر إلا انه سخن بعدئذ واستعملت طريقة الصب ( السباكة ) أيضا وصنعت منه صنارات لصيد الأسماك ودبابيس وسكاكين وأسلحة . وشيدت في هذا العصر المعابد , واشتهرت منها معابد اريدو والمشيدة على نظام هندسي راق , ومن آثار المواقع التي تعود الى هذا العصر أدوات مختلفة من الفخار بينها مناجل وفؤوس وثقالات للشباك ( القاعة الثانية – الخزانة رقم 25 ) ودمى من الطين المشوي بعضها مصبوغ بخطوط سود تمثل الآلهة منها دمية تحمل طفلا ( القاعة الأولى – الخزانة رقم 20 ) .
د- دور الوركاء ( أوروك )
تقع مدينة الوركاء وأسمها القديم أوروك في جنوب شرقي السماوة على 30 كيلومترا منها نقبت فيها بعثة ألمانية منذ عام 1929 استمرت 26 موسما وما زال العمل جاريا حتى الآن حيث كشفت عدة طبقات تاريخية وطبقات من عصورما قبل التاريخ أي من أدوار العبيد وأوروك وجمدة نصر . ويقدر زمن دور الوركاء من ( 3500 – 3100 ق م ) . وأشتهر القسم القديم من دور الوركاء بكثرة فخاره , وهو على ثلاثة أنواع : الأول منها فخار مدلوك أحمر اللون , والثاني رمادي مدلوك أيضا والثالث سمج ساذج ( القاعة الثانية الخزانة رقم 27 ) . وأمتاز القسم الثاني ( الحديث ) من دور الوركاء بنضج الحضارة وبتقدم الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية , ومن مقومات هذه الحضارة بوادر الكتابة في نحو ( 3200 ق م ) وقد كانت بأشكال تصويرية استعملت لتسجيل الواردات في المعابد وغيرها . وانتشر فن النحت فنقشت ألواح من الحجر وصنعت الأختام الاسطوانية , وكان فن العمارة راقيا جدا فقد زينت واجهات المعابد بنقوش مصبوغة منها معبد ( آنو ) في الوركاء ومعبد العقير أو زينت بالفسيفساء المتكون من مسامير ملونة من الفخار أو الحجر ( بداية القاعة الثالثة ) .
هـ- زمن بدء الكتابة والآداب ( البروتو لتريت )
وقد عد بعض علماء الآثار حضارة النصف الثاني من عصر أوروك وبداية دور جمدة نصر وهو الدور الذي
يلي دور أورك , حقبة حضارية أطلقوا عليها بدء الكتابة والآداب ( البروتولتريت ) وقد زودتنا هذه الحقبة من الزمن بآثار فنية راقية . وبنقوش عديدة تدل على تقدم الحضارة بمختلف مناحيها في نحو ( 3200 – 3000 ق م ) ومن هذه الاثارواكثره عثر عليه في الوركاء وهو معروض في مقدمة القاعة الثالثة في المتحف العراقي من بينها مسلة صيد الأسود والإناء النذري الشهير ورأس فتاة من الرخام الأبيض بالحجم الطبيعي وتمثال صغير من رخام شمعي يمثل امرأة عارية ,والنصف الأعلى من تمثال رجل ملنح , ومجموعة من الأختام الاسطوانية البديعة.
و- دور جمدة نصر
يقع تل جمدة نصر في شمال شرقي كيش على بعد 42 كيلومترا منها , تحرت فيه بعثة أمريكية عام 1928 وكشفت عن حضارة خاصة ونوع من الفخار ذى عدة ألوان تغلب عليها الحمرة وجراره كبيرة الحجم ومفلطحة الشكل , يقدر تأريخ هذا الدور من ( 3100 – 2900 ق م ) ( القاعة الثانية – الخزانة رقم 28 ) . ووجدت في تل العقير حيث نقبت مديرية الآثار العراقية مجاميع كبيرة وآثار مختلفة من هذا العصر .
ومن أهم الميزات الحضارية لهذا الدور , تقدم فن الكتابة وتطويرها من صور الى رموز رسمت بخطوط مستقيمة وصار للعلامات قيم صوتية ساعدت على التدوين بعض المساعدة , كما تقدمت الصناعات وزاداد استعمال الأختام بنوعيها المسطحة والاسطوانية , ونقشت أواني الحجر بأشكال الحيوان أو طعمت بالصدف , كما أن صناعة المعادن أخذت في التقدم فصنع منها مختلف أنواع الأسلحة والأدوات البيتية وتطور فن العمارة وتوسعت المباني والمعابد توسعا ملحوظا وزينت واجهاتها بالفيسفاء ( بداية القاعة الثالثة ) .وامعتقد أن سكان القسم الجنوبي من العراق كانوا حينذاك خليطا من شعوب مختلفة من ساميين وسومريين إلا إن غالبيتهم كانت من السومريين الذي طغت لغتهم وعقائدهم على بقية سكان المدن والأرياف وأسسوا – كما سنرى بعد قليل – دولا حاكمة في المدن الكبرى في جنوبي العراق . وقد نقبت الاثاريون في مدن العراق القديمة في الشمال والجنوب ويجد القارىء تفاصيل هذه التنقيبات في كتب مختلفة اخترنا منها المصادر الواردة في الهامش رقم ( 26 ) .
منقول