الشروق العربي تدخل مسجد "عمرو بن العاص"..أول جامع في افريقيا
الأثر الإسلامي الوحيد الباقي منذ الفتح الإسلامي لمصر
القاهرة: فريدة لكحل
بناه الصحابي عمرو بن العاص واشترك في تحديد قبلته ثمانون صحابيا
"الفتح"، "المسجد العتيق"، "تاج الجوامع"، "مسجد النصر"، "جامع مصر"، "قطب سماء الجوامع" أو" عمرو بن العاص"..كلها أسماء لصرح ديني عتيق يعتبر أول مسجد بني في مصر ومنه في افريقيا، سبق بناؤه، بناء الأزهر الشريف وكذلك الزيتونة والقيروان، تكالبت عليه الحملات الصليبية وأحرقته وتنافس الأمراء والملوك والحكام لترميمه وأعادته كصرح ديني فريد من نوعه وقبلة للمصلين والعلماء من كل دول العالم، وكذا معلم اثري متميز، إنه مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة القديمة في مصر..
عمرو بن العاص..الشافعي..الغزالي ووصولا للعريفي مروا من هنا..
الشافعي، صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وإمام علم التفسير والحديث، و الليث بن سعد، أبو طاهر السلفي، العز بن عبد السلام، صاحب السيرة العطرة الامام ابن هشام، والسيدة نفيسة، ومرورا بالشيخ محمد الغزالي، ووصولا للشيخ الدكتور محمد العريفي...أئمة وعلماء الأمة عبر التاريخ الاسلامي الحافل بأمثالهم، أبوا الا ان يتركوا بصمة ساطعة تنير الأمة كما أبوا أن يستنير الناس بعملهم من خلال منبر هذا الصرح الديني الشاهد على تاريخ حافل من احدى الحقب المستنيرة التي مر بها التاريخ الاسلامي، هؤلاء الأئمة لم يكونوا وحدهم من اعتلوا منبر جامع عمرو بن العاص، بل أئمة كثر سواء قديما أو حديثا، فكل عالم جليل كان يزور مصر كان اما يصلي أو يخطب من على منبره، وكما يزور مسجد الحسين والأزهر الشريف، فإنه لا ينسى أن يزور "عمرو بن العاص"، كما اعتبر هذا الجامع القاعدة الاسلامية الأولى في القاهرة وأن له دورا تاريخيا في الماضي والحاضر وقيمته أثرية عظيمة، ومكانة حضارية في شتى مجالات الحياة في مصر خاصة وأنه أول جامعة إسلامية سبقت جامعة الأزهر والزيتونة والقيروان..درّست عددا لا حصر له من علماء الأمة حيث تلقوا فيه كافة علوم اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف، ومن أشهر من درسوا فيه كان الإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد والسيدة نفيسة، وكذا ابن حجر العسقلاني، وسلطان العلماء العز بن عبد السلام وعدد كبير درسوا فيه عبر مر العصور أو صلوا فيه وخطبوا بالمصلين..
ستة ابواب ضخمة و13800 متر مربع..
يعتبر جامع عمرو بن العاص هو أول مسجد بني في مصر وإفريقيا، ويقع فيما يسمى بمدينة الفسطاط التي أسسها المسلمون بقيادة القائد عمرو بن العاص في مصر بعد فتحها، واختار له مؤسسه مكانا مميزا جنب نهر النيل، وبنى جنبه بيتا له سميت بدار عمرو الكبرى، فيما بنى ابنه عبد الله بيتا ايضا جنب الجامع سميت بدار عمرو الصغرى، كما بنيت دار ثالثة للصحابي الجليل الزبير بن العوام..وكان أول إنشائه مركزا للحكم ونواة للدعوة للدين الإسلامي بمصر، ومن ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط التي هي أول عواصم مصر الإسلامية.. يتربع على مساحة تقدر ب13800 متر مربع، ويحتوي على 365 عمودا أي بعدد أيام السنة، كما يتضمن ستة أبواب ضخمة، تستقبل المصلين، ويحوي مدخلا رئيسيا بارزا وصحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة، وقبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقايا منها موجودة لغاية اليوم، وتحوي واجهات الجامع من الخارج شرافات هرمية مسننة، ومئذنة يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك.. وكان التخطيط المعماري الأصلي للجامع يتكون من مساحة مستطيلة في حين كانت أرضيته مفروشة بالحصباء وسقفه مغطى بسعف النخيل الذي كان محمولا على ساريات من جذوع النخيل المغطى بالطين، ولم يكن له صحن ولا محراب ولا مئذنة وكان به منبرا كما كانت جدرانه خالية من الزخارف أما ارتفاع الجامع من الداخل فقد كان حوالي ثلاثة أمتار مثل المسجد النبوي ..
أحرقته الحملات الصليبية وأعاد بناؤه صلاح الدين الايوبي
المسجد الصامد والواقف في وجه العدوان الغربي على البلاد الاسلامية، فقد صد أمام الحملة الصليبية على مصر، وبالضبط عام 564 هجري، تم حرقه بالكامل وتدمير مافيه من تراث اسلامي، ابان احتراق المدينة بكاملها، غير أن القائد الاسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي ايام ضمه لمصر الى دولته، قام بإعادة اعمار المسجد من جديد وذلك بعد اربع سنوات من حرقه، حيث أعاد صلاح الدين الايوبي بناء صدر الجامع والمحراب الكبير وتم كساء المحراب بالرخام ونقش عليه نقوشا منها اسمه المحفور فيه لغاية اليوم..
توسعات وإضافات..بصمات الأمراء والملوك على الجامع
تعددت وتنوعت بصمات شتى الأمراء والملوك الذين حكموا العالم الاسلامي على مر العصور ومنذ بناء المسجد تمثلت في توسعات وإضافات اقدم عليها هؤلاء على المسجد حيث قام مسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر على زيادة مساحته وذلك في تطبيق أمر معاوية بن أبي سفيان وجعل له أربع مآذن ضخمة وصحن كبير يسع للمصلين الذين زاد عددهم في العصر الأموي، وكذا بناء رحبة وتمت زخرفته، كما قام عبد العزيز بن مروان أثناء حكمه لمصر بتوسعة الجامع كما أضاف الوالي "قرة بن شريك" أربع أروقة للجامع أكبرها رواق القبلة، وكذا مطهرة فى فنائه ومحراب مجوف ووضع به منبر خشبي كما وضع أمام المحراب مقصورة مثل مقصورة معاوية بن أبي سفيان بالجامع الأموي بدمشق، وبعدها قام العباسيون اثناء حكمهم للدولة الاسلامية بتوسعة المسجد عدة مرات أكبرها قام بها الوالي عبد الله ابن طاهر ثم مراد بك سنة 1792م حينها تغيرت عمارة الجامع تماما..
رائحة الخشب، مساحة شاسعة، وروحانية عالية..تستوقفك في المسجد
كل الاشياء تبعث على الطمأنينة.. هنا فى مسجد وجامع عمرو بن العاص، رائحة الخشب العتيق، نقوش وزخارف تكشف عن عظمة الفنون الإسلامية، مساحة شاسعة تتيح للروح التحليق فى زمن المسلمين الاوائل، كل ركن فى هذا المكان يستوقفك.. لتستكشف معه تاريخ هذا البقعة التى تصنف كأكبر مسجد أثرى فى منطقة الشرق الأوسط، من هذا المكان إراد عمرو بن العاص أن يحفر تاريخ الفتح الإسلامى لمصر. أنتبه وأنت تزور المسجد.. ففى هذا المكان يمكنك أنت تتلمس خطى صحابة الرسول الكريم.. فقد اوكل عمرو بن العاص إلى ثمانين منهم تحديد القبلة، وتشارك معهم ومع الكثيرين من أهل العلوم الفقهية والمدنية فى اقامت أول صلاة بهذا المكان، وبالقرب من المسجد تم الشروع فى اقامة عاصمة مصر الجديدة "الفسطاط". التفاصيل كثيرة.. وكلها تدفع للتعمق أكثر فى هذا الزمن الذى يكشف عن عمق الحضارة والتحضر الإسلامى، المكان يتسع للباحثين عن الروحانيات، عن صوت الآذان الذى ينبعث من عدة مآذن شامخة وكأنها جسر يربط بين الارض والسماء، ينطلق منها صوت المؤذن.. فيشق طبقات الهواء إلى أعلى ثم يعود ليتردد صداه فى جنبات المكان، وكأنه يرغب فى الوصول لكل شخص يجلس هنا. التفاصيل كثيرة.. تسع الباحثين عن عظمة التاريخ الإسلامى وفنونه، فكل قطعة خشبية تمثل لوحة جميلة.. تراصة بجوار مثيلاتها.. لتصنع لوحة أكبر، هنا يتراءى لك التاريخ فصوله واحدا تلوى الثاني، فمن تاريخ الصحابي الجليل عمرو بن العاص ومرورا بصلاح الدين الايوبي ووصولا لحكام مصر بعد ذلك، تاريخ تحكيه لك جدران المسجد، التي تفوح منها رائحة الخشب المنبعثة من الأعمدة التي تحمل سقفه...انه الأثر الإسلامي الوحيد الباقي منذ الفتح الإسلامي لمصر..