بحلول شهر ديسمبر، من كل عام، تبدأ جماعات سلفية في صدارتها جماعة أنصار السنة المحمدية، التصدي للفعل "المخالف لتعاليم الإسلام"، عبر ملصقات وحلقات وعظ.
الخرطوم- في أحد أحياء الخرطوم الشعبية كان الشاب العشريني أحمد عبد الله يكتب باهتمام بالغ على أحد الجدران "الاحتفال بأعياد الكفار تشبه بهم"، في مشهد عادة ما تستبق به جماعات سلفية، أعياد الكريسماس التي يحتفل بها كثير من المسلمين في السودان قدر احتفالهم بأعيادهم الدينية.
فمع حلول شهر ديسمبر/ كانون أول، من كل عام، تبدأ جماعات سلفية في صدارتها جماعة أنصار السنة المحمدية، التصدي للفعل "المخالف لتعاليم الإسلام"، عبر ملصقات وحلقات وعظ، حسب الشاب العشريني المنتمي للجماعة، أحمد عبد الله.
وفي كل عام يتصدر الساحة السودانية جدلا فقهيا، حول مشاركة المسلمين في أعياد المسيحيين، لكن الملاحظ أن حملات الجماعات السلفية لا تحظى باستجابة تذكر، ما أرجعه الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بابكر فيصل، إلى "التدين الصوفي المتسامح" في السودان.
لكن الشاب أحمد عبد الله، قال ، بلهجة لا تخلو من حدة، إن ذلك "تساهلا في أحكام الدين أكثر من كونه تسامحا"، قبل أن يتساءل: "إذا لم نحتفل بالكريسماس، هل في هذا تجني من المسلمين على المسيحيين؟".
فيما رأى فيصل أن "رفض الجماعات السلفية يعود إلى فكرة الولاء والبراء لابن تيمية والتي تتحدث عن الولاء للمسلمين والبراء من غير المسلمين لكن دون تدبر في الفارق الزمني".
وشرح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية رؤيته قائلا: "هذا الأساس الفقهي يتقاطع مع فكرة أساسية لم يحضرها ابن تيمية، وهي أن المواطنة المتساوية في بلد واحد لا تقوم فيه الرابطة على أساس الدين".
ورغم أن حملات الجماعات السلفية تأخذ طابعا سلميا بنشر الملصقات وحلقات الوعظ التي يعرضون من خلالها وجهة نظرهم، إلا أن فيصل حذر من أن "يأخذ الإعتراض طابعا عنيفا مع انتشار معدلات العنف الديني إقليميا ودوليا".
وثمة عوامل ترجح حدوث مواجهات، كما يشير فيصل، وهي أن "غالبية المستهدفين من هذه الحملات هم من شريحة الشباب المتحمسين بطبعهم ولا يتقبلون مثل هذه الفتاوي"، وكما أرجع استبعاده المواجهة أيضا، إلى "عدم الاستجابة لدعوات مقاطعة أعياد الكريسماس التي يحتفل بها المسلمين ليس من منطلقات دينية بل بطريقة أقرب إلى كونها مناسبة وطنية".
في المقابل، استبعد أحمد عبد الله، لجؤهم إلى العنف قائلا: "نحن لم ولن نعتدي على أحد وندعو بالتي هي أحسن".
وبعيدا عن هذا الخلاف، فإن الخريج الجامعي أحمد الماحي، لفت النظر إلى زاوية أخرى هي أن "الغالبية من الناس يحتفلون بالكريسماس من واقع كونه فرصة للترويح بعيدا عن أي اعتبارات أخرى".
ومع ذلك، فإن الماحي أيضا "لا يؤيد دعوات المقاطعة التي تستند فيها الجماعات الإسلامية على الحديث النبوي القائل: من تشبه بقوم فهو منهم"، وأبدى تعجبه من توجيه هذه الدعوات عبر "رسالة من تطبيق واتساب (تطبيق رسائل قصيرة على الموبايل) بمحمول (هاتف جوال) مصنع في الغرب".
وتابع الماحي : "إذا كان هذا تشبها بالكفار فماذا بشأن بقية المعاملات التي ينجزها المسلمون بتقنية وأدوات يصنعها غير المسلمين".
و هذا الخلاف المتمدد على المستوى الشعبي لا أثر له على المستوى الرسمي إذ تمنح مؤسسات الدولة كل منسوبيها أجازة رسمية تمتد لثلاث أيام بمناسبة الكريسماس، ويحرص الرئيس عمر البشير بشكل شخصي على مشاركة المسيحيين احتفالاتهم.
وانفصل جنوب السودان، حيث تسود الديانة المسيحية وديانات محلية أخرى، عن شمال السودان ذو الأغلبية المسلمة في 2011، بموجب إستفتاء شعبي أقره إتفاق سلام أبرم في 2005 وأنهى عقود من حرب أهلية أخذت طابعا دينيا في بعض مراحلها.
وتبلغ حاليا نسبة المسيحيين في السودن نحو 3 % من عدد السكان الذي يفوق الـ 32 مليون نسمة.