بنو هاشم في كربلاء
يرى الشيخ المفيد أنّ عدّةَ مَن قُتِل مع الإمام الحسين عليه السّلام مِن أهل بيته بطفّ كربلاء هم سبعة عشر رجلاً، والحسين بن عليّ عليهما السّلام ثامن عشر ، ويوافقه على ذلك الطبريّ ؛ فقد عدّ الشهداء تسعة عشر رجلاً مُضيفاً إليهم مسلمَ بن عقيل رضوان الله تعالى عليه، وتؤكّد ذلك روايةُ الخوارزميّ عن الحسن البصريّ أنّه قُتل مع الحسين عليه السّلام سبعة عشر رجلاً من أهل بيته ، فيما يرتفع هذا العدد عند أبي الفَرَج الإصفهانيّ، فيعرض أسماء شهداء بني هاشم ثمّ يقول: فجميع مَن قُتِل يومَ الطفّ مِن وُلْد أبي طالب ـ سوى مَن يُختَلَف في أمره ـ اثنان وعشرون رجلاً ، هذا مع احتساب مسلم بن عقيل رضي الله عنه معهم، ويكون الإمام أبو عبدالله الحسين صلوات الله عليه على رأسهم، وهو سيّدهم.
وتكريماً لهؤلاء الشهداء الطيّبين مِن آل أبي طالب رضوان الله عليهم جميعاً ـ وفيهم: محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ـ جاءت الزيارة الشريفة:السلامُ على الحسينِ بنِ عليٍّ الشهيد، السلامُ على عليِّ بنِ الحسين الشهيد، السلامُ على العبّاسِ بنِ أمير المؤمنين الشهيد، السلامُ على الشهداءِ مِن وُلْدِ أمير المؤمنين، السلام على الشهداءِ مِن وُلْدِ الحسن، السلامُ على الشهداءِ مِن وُلْدِ الحسين، السلامُ على الشهداءِ مِن وُلْد جعفرٍ وعقيل، السلامُ على كلِّ مُستَشْهَدٍ مَعَهم مِن المؤمنين. اللّهمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد، وأبلِغْهُم عنّي تحيّةً وسلاماً..
هذا محمّد
أبوه عبدالله بنِ جعفرٍ أوّلِ مولودٍ وُلِد في الإسلام بأرض الحبشة، كان عبدالله جليلاً وراوية، وقد حظيَ بدعاء رسول الله صلّى الله عليه وآله. وكان معروفاً بكرمه ومواقفه مِن بني أُميّة. تُوفّي سنة 80 هجريّة عام الجُحاف بالمدينة.
قال أهل السِّير: لمّا خَرَج الحسينُ عليه السّلام من مكّة، كتب إليه عبدالله بن جعفر كتاباً يسأله فيه الرجوعَ عن عزمه، وأرسل إليه ابنَيه: عَوناً ومحمّداً، فأتَياه بوادي العَقيق قبل أن يصل إلى مُسامَتَة المدينة.
ثمّ ذهب عبدُالله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد عامل المدينة فسأله أماناً للحسين عليه السّلام، فكتب عمرو وأرسل إلى عبدالله مع أخيه يحيى بنِ سعيد، وخرج معه عبدالله بن جعفر فلَقِيا الحسينَ عليه السّلام بذات عِرْق ، فأقرآه الكتابَ، فأبى الحسينُ عليهما وقال:
إنّي رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في منامي فأمَرَني بالمسير، وإنّي مُنْتَهٍ إلى ما أمَرَني به.
وكتب عليه السّلام جوابَ الكتاب إلى عمرو بن سعيد، ففارقاه ورَجَعا، وقد أوصى عبدُالله بن جعفر وَلَدَيه: عَوناً ومحمّداً بالإمام الحسين عليه السّلام، واعتذر منه.
ولمّا ورد نعيُ الإمام الحسين عليه السّلام ونَعْيُهما إلى المدينة، كان عبدالله بن جعفر جالساً في بيته، فدخل الناسُ يُعزّونه، فقال غلامه أبو اللَّسْلاس : هذا ما لَقِيْنا ودخَلَ علينا من الحسين! فحذَفَه عبدُالله بنَعْلِه وقال له: يا ابنَ اللَّخْناء! أللحسينِ تقول هذا ؟! واللهِ لو شَهِدتُه لمَا فارقْتُه حتّى أُقتَلَ معه، واللهِ إنّهما لَمِمّا يُسخّي نفسي عنهما، ويُعزّي عن المصاب بهما، أنهما أُصيبا مع أخي وابنِ عمّي مُواسيَينِ له صابرَينِ معه. ثمّ أقبل على الجُلَساء فقال: الحمدُ لله، عَزّ علَيّ مصرعُ الحسين عليه السّلام، إن لم أكنْ آسَيتُ حُسَيناً بيدَيّ، فقد آسيتُه بوَلَدَيّ ( أو: فقد آساه وَلَداي )..
وأمّا أمّ محمّد بن عبدالله.. فهي الخَوصاء بنت حفصة بن ثَقيف بن ربيعة بن عثمان بن ربيعة بن عائذ بن ثعلبة بن الحرث... بن بكر بن وائل..فيكون محمّد بن عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب رضوان الله عليهم من أسرة المجد والشرف العريق من آل هاشم
إلى معراج الشهادة
بعد شهادة محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب رضوان الله عليهم، بَرَز محمّد بن عبدالله بن جعفر رضوان الله عليه إلى ساحة المعركة، وتقدّم وهو يرتجز ويقول:
نشـكو إلـى اللهِ مِـن العُدوانِ فِعالَ قومٍ في الرَّدى عميانِ
قد بدّلـوا معـالمَ القـرآنِ وأظهروا الكفـرَ مـع الطغيانِ
ثمّ قاتلَ رضوانُ الله عليه حتّى قتَلَ مِن العدوّ عشرَ أنفُس، فتَعَطّفوا عليه.. حتّى قتَلَه: عامرُ بن نَهْشَل التميميّ .
وورد اسم هذا القاتل لعنه الله في حملة آل أبي طالب، كما ذكر ابن نما في ( مثير الأحزان )، والشيخ المفيد في ( الإرشاد 239 )، والشيخ المجلسيّ في ( بحار الأنوار 44:45 ) ـ نقلاً عنهما ـ.. أنّه لمّا استُشهِد عبدالله بن مسلم بن عقيل، حمَلَ آلُ أبي طالب حملةً واحدة، فصاح بهم الحسين عليه السّلام: صَبراً على الموت يا بني عُمومتي، واللهِ لا رأيتُم هَواناً بعد هذا اليوم.
وحمل عبدُالله بن قُطبة الطائيّ على: عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، فقتله.
وحمل عامرُ بن نهشل التميميّ على: محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، فقتله.
وشدّ عثمانُ بن خالد الهَمْدانيّ على: عبدالرحمان بن عقيل بن أبي طالب، فقتله.
وفي محمّد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليهم يقول سليمان بن قتّة يرثيه:
وسَمِيُّ النبيِّ غُـودِرَ فيـهِم قـد عَلَوهُ بصـارمٍ مصقولِ
فإذا ما بكيتِ عيني فَجُـودي بدموعٍ تسيلُ كلَّ مَسيلِ
وخيرٌ مِن ذلك رثاء الإمام المهديّ حجّة الله على العالمين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطيّبين، حيث يخصّه بالسلام في زيارته لشهداء طفّ كربلاء يوم عاشوراء، فيقول:
السلامُ على محمّدِ بنِ عبدِاللهِ بنِ جعفر، الشاهدِ مكانَ أبيه، والتالي لأخيه ، وواقيه ببَدنهِ، لعَنَ اللهُ قاتِلَه عامرَ بن نَهْشَلِ التَّميميّ