بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
إنّ الأُسلوب التربوي للنبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان كأُسلوب سائر الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ ، فقد حكاه اللّه سبحانه بقوله: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافَعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالغَيْبِ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ عَزِيز ) .
(وَلَقَدْ أَرسَلْنا نُوحاً وَإِبراهِيمَ وَجَعَلْنا في ذُرّيّتِهما النُّبُوَّةَ والكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَد وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُون ) .( [1])
فهذا الأُسلوب الوارد في الآية الكريمة كان سائداً على جميع الأنبياء من غير فرق بين خاتمهم وغيرهم، فكان الناس بين مَن يستضيء بهدى الأنبياء وبين مَن يعرض عنه، ويشير في آية أُخرى إلى أُسلوب النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ بوجه خاص ويقول:
(ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَة وَالمَوعِظَةِ الحَسَنة وَجادِلْهُمْ بِالتّي هِيَ أَحسنُ إِنَّ رَبّكَ هُوَ أَعلمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالْمُهْتَدين ) .( [2])
وهذه الآية تكشف انّ أُسلوب النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ كان أُسلوباً مؤثراً في حقّ فريق دون فريق آخر. و انّ النبيّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يستعن بأُسلوب غيبي في هداية الناس، بل كان يمارس الأُسلوب الدارج بين العقلاء في التربية والتعليم.
ولأجل ذلك اختلفت درجات المهتدين، فمنهم مَن بلغ القمة في الهداية حتّى صار مثالاً يُحتذى به، ومنهم مَن بلغ دون ذلك، ومنهم مَن رسب حتى صار رئيس الفئه الباغية حسب اختلاف قابلياتهم، فهل يصحّ لعاقل أن يدّعي بأنّ صحبة ما، قلعت ما في نفوسهم من جذور غير صالحة وملكات ردية وكوّنت منهم شخصيات مثالية أعلى وأجل من أن يقعوا في إطار التعديل والجرح؟!
إنّ تأثير الصحبة عند مَن يعتقد بعدالة الصحابة كلّهم أشبه شيء بمادة كيمياوية تستعمل في تحليل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب، فكأنّ الصحبة ـ عند القوم ـ قلبت كلّ مصاحب إلى إنسان مثالي يتحلّى بالعدالة، وهذا ممّا يرده المنطق والبرهان، وذلك لأنّ الرسول الأعظم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يقم بتربية الناس وتعليمهم عن طريق الإعجاز (فَلَو شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعين ) ( [3]) ، بل قام بإرشاد الناس ودعوتهم إلى الحقّ وصبّهم في بوتقات الكمال مستعيناً بالأساليب الطبيعية والإمكانيات الموجودة، كتلاوة القرآن الكريم والنصيحة بكلماته النافذة وسلوكه القويم وبعث رسله ودعاة دينه إلى الأقطار ونحو ذلك، والدعوة القائمة على هذا الأساس يختلف أثرها في النفوس حسب اختلاف استعدادها وقابلياتها، فلا يصح لنا أن نزن الجميع بميزان واحد.
ويقول بعض المعاصرين تحت عنوان:«هل للصحابي خصوصية مسألة العدالة»:
أنّ أوّل الخلل يكون عندما نتعامل مع الصحابة وكأنّهم جنس آخر غير البشر، والقرآن الكريم والسنّة المطهرة لم يوجد فيها أبداً هذا التفريق بين الصحابة وغيرهم إلاّ ميزة الفضل للمهاجرين والأنصار الذين كانت لهم ميزة الجهاد والإنفاق أيّام ضعف الإسلام وذلّة أهله، أمّا بقية الأُمور كطروء النسيان والوهم والخطأ وارتكاب بعض الكبائر، فهذه وجدت وحصل من بعض السابقين ومن كثير من اللاحقين.
ولم أجد دليلاً مقنعاً صحيحاً صريحاً يفرق بين شروط العدالة بين جيل وآخر، لا استثني من ذلك صحابة ولا تابعين.( [4])
--------------
[1] -الحديد:25ـ 26.
[2] -النحل: 125.
[3] -الأنعام:149
[4] -الصحبة والصحابة: 218.